منتديات أمير مملكة الاحزان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size]

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
moskod
عضو نشيط
عضو نشيط
moskod


المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 01/05/2008

[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Empty
مُساهمةموضوع: [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size]   [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Icon_minitimeالخميس يونيو 19, 2008 1:08 pm

تمهيد:

يعد "تاكفاريناس Tacfarinas" من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية قديما، وقد أظهر شجاعة كبيرة في مواجهة المحتل الروماني، و قد لقنه درسا لاينسى في البطولة والمقاومة الشرسة، وهو مازال محفورا في ذاكرة تاريخ الإمبراطورية الرومانية . كما أخرت مقاومته الشعبيةاحتلال تامازغا من قبل المتوحش الروماني لمدة طويلة تربو على عقد من الزمن. ولم يتمكن العدو من احتلال بعض أجزاء أفريقيا الشمالية إلا بعد مقتل تاكفاريناس في ساحة الحرب.
إذا،
من هو تاكفاريناس؟
وماهي دواعي مقاومته وأسبابها الذاتية والموضوعية؟
وماهي أهم المراحل التاريخية التي عرفتها مقاومته للإمبراطورية الرومانية في إفريقيا الشمالية؟
وما هي آثار هذه المقاومة و نتائجها؟

1-من هو تاكفاريناس؟

تاكفاريناس من أهم قواد نوميديا ( الجزائر) الأمازيغية، نشأ في أسرة نبيلة ذات نفوذ كبير، وينتمي لقبيلة "موسالامس( Musalams)"، وۥجنّد مساعدا في الجيش الروماني في سن السادسة عشرة برتبة مساعد ، واكتسب أثناء العمل تجربة عسكرية كبيرة؛ لكنه سيفر من الجندية بعد أن رأى ظلم الرومان الذي كان يمارس ضد الأمازيغيين وتلمس طغيانهم واستبدادهم المطلق. فعين من قبل أتباعه ومحبيه قائدا لقبائل" المزاملة" سنة 17م، فشكل منها جيشا نظاميا من المشاة والفرسان على الطريقة الرومانية في تنظيم الجيوش. وفقد عمه وأخاه وابنه في الحروب التي خاضها ضد الجيش الروماني في شمال أفريقيا، وقد دامت ثورته سبع سنوات ثم انهزم قتيلا في في منطقة "سور الغزلان" بالجزائر . وتعلم "تاكفاريناس" الكثير من خطط الجيش الروماني وطرائقه الاستراتيجية في توجيه الحروب و المعارك، كما اطلع على أسلحته وما يملكه من عدة مادية وبشرية، وما يتسم به هذا الجيش من نقط الضعف التي يمكن استغلالها في توجيه الضربات القاضية إليه أثناء اشتداد المواجهات والمعارك الحامية الوطيس.

2-أسباب مقاومة تاكفاريناس:

إذا كان موقف الأمازيغيين من الفينيقيين والقرطاجيين إيجابيا، فإن موقف الأمازيغيين من الرومان كان سلبيا إلى حد كبير؛ لأن الحكومة الرومانية كانت تسعى إلى التوسع والاستيطان واستغلال ثروات شعوب الآخرين عن طريق التهديد وإشعال الفتن والحروب كما فعلت مع الدولة القرطاجنية في تونس في إطار ما يسمى بـ"الحروب البونيقية".

وإذا كان القرطاجنيون قد اهتموا بالتجارة والصيد، فإن الرومان بالعكس كانوا يركزون كثيرا على الفلاحة ؛ مما دفعهم للبحث عن الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة. وهذا ما أدى بالحكومة الرومانية للتفكير في استعمار شمال أفريقيا قصد نهب خيراتها والاستيلاء على أراضيها التي أصبحت فيما بعد جنانا للملاكين الكبار وإقطاعات لرجال العسكر وفراديس خصبة للساهرين على الكنيسة الكاثوليكية، في حين أصبح الأمازيغيون عبيدا أرقاء وخداما رعاعا وأجراء مستلبين في أراضيهم مقابل فضلات من الطعام لا تقي جوع بطونهم التي كان ينهشها الفقر والسغب. ومن ثم، « طبقت روما سياسة اقتصادية جشعة طوال احتلالها، تلخصت في جعل ولاياتها تخدم اقتصادياتها وتلبي حاجياتها من الغذاء والتسلية لفقرائها... والتجارة المربحة لتجارها والضرائب لدولتها... والإبقاء على النزر اليسير لسد متطلبات عيش الأمازيغ الخاضعين...".

ويعني هذا أن سياسة الرومان في أفريقيا الشمالية كانت تعتمد على التوسع والغزو وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلها الداخلية وتصديرها إلى الخارج مع البحث عن الموارد والأسواق لتحريك دواليب اقتصادها المعطل وإيجاد مصادر التمويل والتموين لقواتها العسكرية الحاشدة عددا وعدة. ومن ثم، لم " يكتف الرومان باحتلال أجود الأراضي الفلاحية الأمازيغية فحسب، بل قام الإمبراطور الروماني" أغسطس" بتشجيع استيطان عدد مهم من سكان إيطاليا في شمال إفريقيا، خصوصا منهم الجنود وقادة الجيش المسرّحون أو المتقاعدون ورجال الأعمال والتجار مما كان له دوره في تغيير التوازن والتوافق السكاني، الذي كان سائدا في السابق بين ساكنة المنطقة، بل كلما تم استقدام أعداد منهم من إيطاليا، إلا ويكون على حساب الأراضي الفلاحية والرعوية للأهالي الأمازيغ. ويظهر هذا في نسبة العمران والتمدين الروماني الذي بدأ في سواحل البحر المتوسط خصوصا بعد فترة الإمبراطور" أغسطس". أما المناطق الداخلية فلم تبق بمعزل عن هذه التطورات خصوصا أن الرومان كانوا يضمون الأراضي الأمازيغية باستمرار نحو الداخل، إما بهدف الحصول على أراضي جديدة للقادمين الجدد ، أو الحصول على أماكن بناء الحصون والقلاع لحماية أراضي المعمرين.".

ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى اندلاع ثورة تاكفاريناس الانتقام للملك الأمازيغي الأول "يوغرطة" الذي وحد الأمازيغيين وأعدهم لمواجهة العدو الروماني الغاشم، بيد أن الجيش الروماني نكل به تنكيلا شديدا ليكون عبرة للآخرين،( أعتقد أن هذا السبب لثورة تاكفاريناس بعيد وغير محتمل لبعد الفترة الزمانية بين تاكفاريناس ويوغرطة) بله عن الثأر من الجيش الروماني نظرا لما قام به من اعتداء صارخ على القبائل الموسولامية التي وقفت كثيرا في وجه الغزو الروماني، ناهيك عن التفاوت الطبقي والاجتماعي في المجتمع الأمازيغي الذي خلقه الاحتلال الروماني، وتردي أحوال الفقراء والمعدمين وهذا ما سيؤدي بهم فيما بعد إلى ثورة جماعية تسمى بـ"الدوارين"؛ لأنهم كانوا يحومون ويدورون حول مستودعات الحبوب لسرقتها. و لا ننسى رجال الكنيسة الأمازيغيين الذين ساهموا في إشعال عدة فتن وثورات ضد المحتل الروماني خاصة الدوناتيين نسبة إلى رجل الدين الأمازيغي المسيحي دوناتوس الذين كانوا يطالبون إخوانهم الأمازيغيين بعدم الانتظام في الجندية الرومانية وطرد كبار الملاك من أراضيهم وأصحاب النفوذ من المسيحيين الكاثوليك من بلادهم.

3-تطور مقاومة تاكفاريناس ضد الاحتلال الروماني:

لقد بينا سابقا أن" تاكفاريناس" لم يرض بالتدخل الإيطالي و لم يقبل كذلك بالظلم الروماني وبنزعته التوسعية الجائرة التي استهدفت إخضاع الأمازيغيين وإذلالهم ونهب ثرواتهم والاستيلاء على خيراتهم وممتلكاتهم عنوة وغصبا . كما لم يرض بتلك السياسة العنصرية التي التجأ إليها الرومان لطرد الأمازيغيين خارجخط الليمس (Limes) وهو خط دفاعي يفصل الثلث الشمالي المحتل عن الجنوب الصحراوي غير النافع. وقد ۥشيّد هذا الخط الفاصل بعد القرن الثاني الميلادي بعد أن تمت للرومان السيطرة الكاملة على أراضي أفريقيا الشمالية. ويتركب خط الليمس من جدران فخمة شاهقة وخنادق وحفر وحدود محروسة وقلاع محمية من قبل الحرس العسكري، ويمكن تشبيهه بالجدار المحصن ضد الهجوم الأمازيغي المحتمل. وكان هذا الخط الفاصل يتكون من الفوساطوم الذي يتألف من أسوار تحفها خنادق من الخارج، ومن حصون للمراقبة غير بعيدة عن الفوساطوم، وطرق المواصلات الداخلية والخارجية التي تتصل بالفوساطوم قصد إمداد الحاميات بالمؤن والأسلحة. ويعني هذا أن خط الليمس كان يقوم بثلاثة أدوار أساسية: دور دفاعي يتمثل في حماية الحكومة الرومانية في إفريقيا الشمالية والحفاظ على مصالحها وكينونتها الاستعمارية من خلال التحصين بالقلاع واستعمال الأسوار العالية المتينة الشاهقة، ودور اقتصادي يكمن في إغناء التبادل التجاري مع القبائل الأمازيغية التي توجد في المنطقة الجنوبية لخط الليمس، ودور ترابي إذ كان الليمس يفصل بين منطقتين : منطقة شمالية رومانية ومنطقة جنوبية أمازيغية. ولا يعبر هذا الخط الواقي إلا عن سياسة الخوف والحذر وترقب الهجوم الأمازيغي المحتمل في كل آن و لحظة.

هذا، ولقد امتدت مقاومة "تاكفاريناس" شرقا وغربا لتوحيد الأمازيغيين قصد الاستعداد لمواجهة الجيش الروماني المحتل.وكانت الضربات العسكرية التي يقوم بها "تاكفاريناس" تتجه صوب القاعدة الرومانية الوسطى مع استخدام أسلوب المناورة والتشتت للتجمع والتمركز مرة أخرى ، والتسلح بحرية الحركة و استخدام تقنية المناورة واللجوء إلى الانسحاب والمباغتة والهجوم المفاجئ وحرب العصابات المنظمة لمحاصرة الجيش الروماني وضربه في قواعده المحصنة. وهذه الطريقة في المقاومة لم يألفها الجيش الروماني الذي كان لايشارك إلا في الحروب والمعارك النظامية وينتصر فيها بكل سهولة نظرا لقوة عتاده المادي وعدته البشرية والعسكرية . ويبدأ امتداد "تاكفاريناس" من طرابلس الحالية غربا حتى المحيط الأطلسي شرقا والامتداد في مناطق الصحراء الكبرى جنوبا.

وكل من يستقرى تاريخ مقاومة تاكفاريناس لابد أن يعتمد على كتابات المؤرخ اللاتيني تاكيتوس الذي كان قريبا من تلك الأحداث، ولكنه لم يكن موضوعيا في حولياته التاريخية وأحكامه على الأمازيغيين، وكان ينحاز إلى الإمبراطورية الرومانية وكان يعتبر "تاكفاريناس" ثائرا إرهابيا جشعا يريد أن يحقق أطماعه ومآربه الشخصية على حساب الآخرين وحساب أصدقائه القواد مثل: القائد الشجاع "مازيبا". ويعني هذا حسب المؤرخ اللاتيني الروماني" تاكيتوس" أن الحكومة الرومانية لم تأت إلى أفريقيا الشمالية إلا لتزرع الخير وتنقذ الجائعين وۥتحضّر البدويين والرحل الرعاع وتزرع السلام والمحبة بين الأمازيغيين، بينما - والحق يقال- لم تقصد الجيوش الرومانية ربوع تامازغا بجيشها الجرار وأسلحتها الفتاكة سوى لاحتلالها والاستيطان بها والاستيلاء على أراضيها ونهب ثرواتها والتنكيل بأهاليها. ويقول "تاكيتوس" في حق" تاكفاريناس":" اندلعت الحرب في إفريقية في نفس السنة (17م)، وكان على رأس الثوار قائد نوميدي يسمى" تاكفاريناس"، كان قد انتظم بصفة مساعد في الجيوش الرومانية ثم فر منها. وفي أول أمره جمع حوله بعض العصابات من قطاع الطريق والمشردين وقادهم إلى النهب، ثم جعل منهم مشاة ففرسانا نظاميين وسرعان ما تحول من رأس عصابة لصوص إلى قائد حربي للمزالمة، وكانوا قوما شجعانا يجوبون الفلوات المتاخمة لإفريقية. وحمل المزالمة السلاح وجروا معهم جيرانهم الموريين الذين كان يقودهم "مازيبا". واقتسم القائدان الجيش، فاستبقى "تاكفاريناس" خيرة الجند، أي جميع من كانوا مسلحين على غرار الرومان ليدربهم على النظام ويعودهم على الامتثال، أما" مازيبا" فكان عليه أن يعمل السيف ويشعل النار ويذعر الذعر بواسطة العصابات".[iv]

ويستعمل" تاكيتوس (تاسيت Tacite)" أسلوبا ذكيا في توجيه الطعنات إلى" "تاكفاريناس"" عندما اعتبره رجل عصابة يفر من الجندية و يتحول إلى قائد عسكري خائن أناني يستحوذ على خيرة الجند، بينما لا يترك لصديقه "مازيبا" سوى عصابة من الإرهابيين تنشر الذعر في نفوس الأبرياء من الروم!!!

ونحن سنقلب القراءة لتتجه عكس مسار قراءة تاكيتوس لنثبت بأن" تاكفاريناس" كان رجلا شجاعا ومواطنا أمازيغيا غيورا على بلده، لم يرض بالضيم الإيطالي والذل الروماني ، فوحد القبائل الأمازيغية سواء أكانت في الشرق أم في الغرب أم في الجنوب، أي إنه استعان بكل القبائل المناوئة للمحتل الروماني حتى بالقبائل الصحراوية التي كانت ترفض هذا العدو المغتصب وتناهضه.

وتعتمد مقاومة "تاكفاريناس" على نوعين من القوات العسكرية : قوة عسكرية منظمة على الطريقة الرومانية التي تتكون من المشاة والفرسان، وقوة غير منظمة تتخذ شكل عصابات مباغتة مشروعة في أهدافها ونواياها توجه ضربات خاطفة موجعة للجيش الروماني وتزرع في صفوفه الرعب والهلع والخوف، وفي دياره الدمار والخراب وخاصة في موسم الحصاد أثناء جني المحصول ، وبذلك كان يوجه الضربات السديدة إلى الاقتصاد الروماني بحرق المحصول أو السيطرة عليه أو منع الأمازيغيين من بيعه للحكومة الرومانية التي احتلت الأمازيغيين لمدة خمسة قرون. وبالتالي، فهذه" الحرب أضرت بالمصالح الاقتصادية لروما. فكانت جميع المعارك تقع في أواخر الربيع وفصل الصيف، ومن بين أسباب ذلك إغارة "تاكفاريناس" على المدن وقت الانتهاء من حصاد الحبوب للسيطرة على المحصول من جهة وللحيلولة دون بيع كل غلة الحبوب لروما. كما كان "تاكفاريناس "يشتري الحبوب من التجار الرومانيين للحيلولة دون وصولها إلى العاصمة الإمبراطورية".

وقد استمرت ثورة تاكفاريناس في مواجهة الرومان مدة سبع سنوات من 17م إلى 24م سنة مقتله في معركة الشرف ضد الجيش الروماني. ويعني هذا أن ثورة "تاكفاريناس" ثورة عنيفة شرسة، وتعتبر أقوى مقاومة في تاريخ الحضارة الأمازيغية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. وهي لا تعبر عن صراع الحضارة والبداوة أو الصراع الطاحن بين النظام والفوضى كما يقول الكثير من المؤرخين الغربيين بما فيهم المؤرخ الروماني "تاكيتوس" صاحب كتاب "الحوليات" ، بل هي تعكس صراعا جدليا بين الظلم والحق وبين الحرية والعبودية.

ومن أسباب نجاح ثورة "تاكفاريناس" أنه تبنى عدة طرائق في المواجهة العسكرية ولاسيما الجمع بين الخطة النظامية وحرب العصابات وتوحيد القبائل الأمازيغية في إطار تحالف مشترك واستغلال الظروف العصيبة التي كانت تمر بها الحكومة الرومانية لضربها ضربات موجعة. وبالتالي، لم يقتصر في تحالفه على قبائل الموسلام، بل انفتح على القبائل الصحراوية وتحالف مع الموريين، أي مع قوات موريطانيا الطنجية التي كان يقودها "مازيبا". أما الحاكم "يوبا الثاني" ملك موريطانيا الطنجية فقد كان عميلا للرومان ومتحالفا مع الحكومة القيصرية، لذلك لم يستجب له الشعب وانساق وراء القائد "مازيبا" الثائر، دون أن ننسى قبائل الكينيتيين الشجعان الذين كانوا يوجدون في الجنوب الشرقي للقبائل الموسولامية وقد تحالفوا عن اختيار وطواعية مع القائد البطل "تاكفاريناس".

وبعد أن استجمع "تاكفاريناس" القبائل الثائرة عبر المناطق الجنوبية لخط الليمس من سرت حتى المحيط الأطلسي انطلق في هجماته التي كانت تخضع للمد والجزر و الهجوم والانسحاب، ولكنه استطاع أن يلحق عدة هزائم بالجيش الروماني وأن يقض مضجع الحكومة المركزية في روما. وكان "تاكفاريناس" يعتمد على البدو الذين كانوا يعرفون مناطق الصحراء ويتحركون بسرعة على جمالهم ويباغتون الجيش الروماني في الوقت الذين يحددونه والمكان الذي يعينونه ويختارونه بدقة. لذلك، كانت الكرة في مرمى جيش "تاكفاريناس" يستخدمها في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. بينما ينتظر الجيش الروماني ضربات الهجوم للرد عليها. ولكن الرومان استطاعوا أن يتحالفوا مع الأمازيغيين الموالين لهم كـ"يوبا الثاني" وابنه "بطليموس" وأن يسخروا الجنود الأمازيغيين لضرب إخوانهم ؛ وكان المثل عند كل المحتلين لأراضي الأمازيغ من الرومان مرورا بالبيزنطيين إلى الوندال:" ينبغي أن تحارب الأمازيغيين بإخوانهم الأمازيغيين". بيد أن "يوبا الثاني" وابنه "بطليموس" لم يستطيعا أن يؤثرا على الموريين الذين مالوا إلى تاكفاريناس و"مازيبا" للدفاع عن أراضيهم المغتصبة من قبل الرومان وحرياتهم الطبيعية والمشروعة التي يريد الرومان انتزاعها من أصحابها ليحولونهم إلى أجراء وأرقاء مذلولين. ويقول "تاكيتوس" في حولياته:" "تاكفاريناس" لا زال ينهب في إفريقيا مساندا من طرف الموريين الذين فضلوا مساندة الثورة على الولاء للعبيد العتقاء الذين يشكلون حاشية الملك الصغير "بطليموس".".[vi]

وقد هاجم "تاكفاريناس" حصون الجيش الروماني وقلاعه وهدد مدينة" تهالة"، وطالب الرومان بأراضي خصبة لزراعتها أو للرعي فيها، لكن الرومان استمالوا بعض أتباع "تاكفاريناس" ووعدوهم بالعفو و بأجود الأراضي لزراعتها. وهكذا دب الشقاق فيجيش "تاكفاريناس" وانتشرت الخيانة. وفي جهة مقابلة، سارعت الحكومة الرومانية إلى توشيح كل القادة العسكريين الذين يصدون بعنف لهجمات" تاكفاريناس" ووضعوا تماثيل شاهدة على إنجازاتهم. وقد قال "تاكيتوس" ساخرا بذلك:" يوجد في روما ثلاثة تماثيل متوجة و"تاكفاريناس" لا زال حرا طليقا في إفريقيا".[vii]

لكن مع تعيين البروقنصل[color="red"]" كورنيليوس دولا بيلا Cornelius Dolabella، [/COLOR"] ستتغير موازين الحرب في أفريقيا الشمالية وسيحاصر هذا القائد الروماني الجديد جيوش "تاكفاريناس" بعد أن قضى على الكثير من أتباعه الموزولاسيين واستطاع أن يباغت جيشه في حصن أوزيا شرق نوميديا في الصباح الباكر قبل استيقاظ قوات تاكفاريناس، فاستطاع بسهولة أن يقبض على ابن الثائر أسيرا، وأن يتمكن من أخ تاكفاريناس. وبعد ذلك، دخل دولابيلا في معركة حامية الوطيس مع القائد تاكفاريناس الذي توفي في المعركة سنة 24م. وكانت هذه الهزيمة في الحقيقة نتاجا للخيانة التي دبرت في الكواليس الرومانية في تنسيق مع الأهالي الأمازيغيين ، ومن هنا، طعن تاكفاريناس في الظهر كما في كل السيناريوهات الحربية والعسكرية التي حبكت من قبل الرومان للتخلص من أعدائهم الأمازيغيين...

ويقول ""محمد بوكبوط"" مصورا نهاية "تاكفاريناس":" [color="Blue"]شن "تاكفاريناس" الحرب على المدن والقرى الخاضعة للرومان، وامتدت الحركة من موريطانيا إلى خليج السرت، مما جعله يضغط بقوة ويطالب الإمبراطور بتسليمه الأراضي، مهددا بشن حرب لاهوادة فيها.

غير أن الرومان استطاعوا أن يحدثوا شرخا في صفوف الثوار الأمازيغ، بقطع الوعود وتقديم تنازلات بسيطة. ورغم ثورة الموريين عقب تولي "بطليموس"، فإن البروقنصل "دولابلا Dolabella [/COLOR"]أفلح في الظفر بتاكفاريناس الذي قتل وهو يحارب سنة 24م. لتنتهي بذلك ثورته."

وهكذا تنتهي "ثورة تاكفاريناس" بعد سنوات طوال من المقاتلة والنضال والكفاح من أجل تحرير البلاد من الغزاة، ليتسلم الثوار الآخرون بعد ذلك مشعلا لمواجهة والتصدي ليكون تاريخ الأمازيغيين طوال حياتهم تاريخ المقاومات الشريفة والملاحم البطولية.

خاتــمــــة:

وبعد التخلص من ثورة تاكفاريناس التي دامت سنوات طويلة، ارتاح الرومان وتنفسوا الصعداء بعد ضيق كبير، وۥخيّبت آمال الأمازيغيين في الحصول على استقلالهم ونيل حرياتهم في تسير شؤون بلادهم بأنفسهم. وبدأت الجيوش الرومانية في التوغل في أراضي تامازغا شرقا وغربا وجنوبا قصد الاستيلاء على كل الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة والري. واستطاعت أن تفرض نفوذها الإداري على كثير من أجزاء أفريقيا الشمالية، وأن تعين في كل ولاية البروكونسول Proconsul لجمع الضرائب ومراقبة نفقات الدولة وتجنيس الأهالي وتطبيق القوانين الرومانيةعلى الأمازيغيين مع التصدي لكل من سولت نفسه مهاجمة الجيش الروماني. ولكن ثورة تاكفاريناس ستولد ثورات شعبية واجتماعية ودينية أخرى ستعمل على تعكير صفو الحكومة الرومانية التي كانت تعتمد في الصد والدفاع عن نفسها وحماية مصالحها على قوات إيطالية وإسبانية وأمازيغية في حروبها مع أهالي تمازغا الذين كانوا يشرئبون إلى الحرية والاستقلال ويتعطشون إلى الدفاع عن أرضهم بالنفس والنفيس.

معنى كلمة "تاكفاريناس"
كانت في وحدة المغرب القديم تقول لنا أن معنى "تاكفاريناس": عبد نفسه" والله أعلم

هذا الموضوع منقول لتعميم الفائدة وإثراء المنتدى إلا أني أضفت بعض التعليقات الموجودة بين قوسين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moskod
عضو نشيط
عضو نشيط
moskod


المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 01/05/2008

[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Empty
مُساهمةموضوع: [size=24]1- من هو فيرموس؟[/size]   [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Icon_minitimeالخميس يونيو 19, 2008 1:15 pm

1- من هو فيرموس؟

ولد فيرموسfIRMUS الأمازيغي في شمال أفريقيا وبالضبط في نوميديا( الجزائر). وهو ابن رجل موري أفريقي مسيحي اسمه نوبيل ، وكان فيرموس شابا فتيا بالغا فضلا عن كونه قائدا شجاعا احتك كثيرا بالجيش الروماني، وتعرف عن قرب عن مؤهلاته القتالية والهجومية والدفاعية. وتعني كلمة فيرموس في الإيطالية القوي الشجاع. وكان لفيرموس أخوان هما: جيلدون Gildon الذي عينه قائدا في جيشه، وسماك Sammmaque الذي أعدمه فيرموس؛ لكونه جاسوسا وحليفا للرومان وخائنا لبلده.
ومن ثم، فقد تخلى فيرموس عن جنسيته الرومانية ليخدم وطنه ويدافع عن الكينونة الأمازيغية. واستطاع بمقاومته الشرسة أن يسحق الجيوش الرومانية خلال عامين متواليين منذ 369 م. ولكن أخاه جيلدون باعه للرومان، فقتل فيرموس سنة 375م.

2- تطور مقاومة فيرموس:

لم تظهر ثورة فيرموس الأمازيغي إلا بعد تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، وتمادي القوات الرومانية في استعمال الشطط والتعسف ، ونهج سياسة الاستغلال والنهب والسيطرة على كل خيرات الأمازيغيين وممتلكاتهم، وطرد الضعفاء والفقراء والمعدمين خارج خط الليمس، وتتبع المقاومين بالتنكيل واستخدام القوة. فقامت القوات الإيطالية بتشتيت الحركة الدوناتية والقضاء على ثورة الدوارين الاجتماعية. وأعدت كل قواتها للتدخل السريع لمجابهة الأفكار التحررية والثورات الانقلابية التي تطالب بطرد الرومان ومحاربة القوات الغازية:" وأحس الرومان بمفعول هذه المبادئ الثورية في عقول الأهالي، فراحوا يضطهدونهم ويعذبون كل من سولت له نفسه أن ينتحل المسيحية دينا، فساءت الحالة السياسية في البلاد، ومما زاد في الطين بلة اضطراب الحالة الاقتصادية وهبوط مستوى المعيشة تبعا لتعدد القلاقل واضطهاد الأهالي الآمنين. ولم يلبث الإمبراطور قسطنطين أن يتفطن لخطورة الموقف، فيوطد العزم على جعل حد لتلك الحالة المنكرة، ويعتنق الدين المسيحي هو نفسه، وتصبح بذلك للديانة المسيحية صبغة رسمية".
ولكن الأمازيغيين لم يستفيدوا من مبادئ الدين المسيحي الجديد بسبب الظلم الذي نهجه الجيش الروماني تجاه سكان تامازغا عن طريق استعبادهم وتذليلهم واستغلال ثروات البرابرة وخيراتهم، كما أنهم مارسوا عليهم الظلم والبطش باسم المسيحية وقانون السلام الذي كان يدعو إليه الإمبراطور قسطنطين. فكانت النتيجة الطبيعية لهذا الاستلاب الديني ولهذا الحيف الكبير، أن ارتد الأمازيغيون عن المسيحية لينضموا بعد ذلك إلى صفوف جيش فيرموس الذي أعلن تمرده عن العاصمة المركزية ، وحمل السلاح في وجه الجيش الروماني من خلال التشبث بالهوية الأمازيغية والدفاع عن اللغة المحلية والكتابة البونية ومحاربة سياسة المسخ والرومنة.
وهكذا نجد أن الإمبراطور الروماني لم يهتد فعلا إلى " مواطن الداء من ذلك الجسد المريض، ولم يعمل على التخفيف مما كان يعانيه الأهالي من آلام وأسقام، فبقيت حالتهم المادية والاجتماعية كما كانت، وظل الرومان يسخرونهم لمصالحهم الشخصية... وبعد الصبر الجميل تطير حمية البربر، فيعرضون عن الديانة المسيحية التي كانوا يرجون من ورائها قبل ذلك تحقيق مطالبهم السياسية، ولم تلبث أن تنتشر الفتنة في طول البلاد وعرضها على يد الزعيم فيرموس...الذي راح يجوب البلاد طولا وعرضا لإحياء ضمائر المواطنين، ويتولى بنفسه تنظيم المظاهرات ضد روما التي أرادت أن تبتلع شعبا بربريا بأسره وتقضي على شخصيته وآماله.".
هذا، وقد قام فيرموس بتوحيد الأمازيغيين وجمع شمل القبائل والعشائر واسترضاء ساكنة الولايات والممالك الأمازيغية في شمال أفريقيا لتكوين جيش بربري موحد يستطيع من خلاله القائد فيرموس التصدي للقوات الرومانية ومجابهة الاحتلال اللاتيني.
ولم تظهر مقاومة فيرموس في الحقيقة إلا بعد موت قسطنطين الأكبر وانشقاق الكنيسة المسيحية داخل الإمبراطورية الرومانية بصفة عامة ونوميديا بصفة خاصة. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ إبراهيم حركات:"وقد اشتهر قسطنطين الأكبر بعدالته وحزمه إلى جانب تسامحه الديني، حيث أباح للناس اعتناق المسيحية بمحض إرادتهم. بيد أن أسقف نوميديا حاول الاستقلال عن الكنيسة الرومانية. وهكذا بدأ الانشقاق داخل الأوساط المسيحية في وقت مبكر من تاريخ المومنين" بالثالوث".
وماكاد يموت قسطنطين الأكبر، حتى نشبت ثورات خطيرة داخل الشمال الأفريقي، حتى إن ثائرا من الجزائر سحق جيوش الرومان خلال عامين متوالين منذ سنة 369م، وهذا الثائر هو فيرموس الذي تخلى عن الجنسية لصالح وطنه."
زد على ذلك أن ثورة فيرموس استمالت الدوناتيين المناهضين للحكم الروماني والكارهين للكنيسة الإقطاعية، فانضم إليها كذلك الدوارون الذين كانوا يدورون حول مخازن الحبوب لسرقتها من أجل البحث عن لقمة الخبز لتأمين حياتهم. ومن هنا، أصبحت ثورة فيرموس في منطقة نوميديا ثورة قومية أمازيغية كما يذهب إلى ذلك شارل أندري جوليان في كتابه "تاريخ شمال أفريقيا"، أي إن الذين شاركوا في هذه الانتفاضة العسكرية هم مقاومون أمازيغيون من مختلف التيارات والاتجاهات والمذاهب الدينية والاجتماعية، والهدف واحد هو طرد الرومان من تامازغا وقطع الإمدادات التموينية عليهم.
ويقول الأستاذ محمد بوكبوط متحدثا عن هذا السياق التاريخي:" ففي سنة372م ، أدى تدخل قائد إفريقيا في النزاع بين أبناء أمير الحلف الخماسي إلى ثورة أحدهم وهو فيرموس معلنا الحرب ضد الرومان، فانضم إليه الدوناتيون والدوارون، فكانت ثورة اجتماعية قومية تحررية، إذ كانت زعامتها وقاعدتها أمازيغية، ولم تكتف قواتها بالإغارة على الضياع كما كان الشأن مع الدوارين، بل نجدها تستولي على شرشال عاصمة ولاية القيصرية وإيكوسيوم ( الجزائر)، كما دحرت الجيوش الرومانية في عدة معارك."
وبعد أن سيطر فيرموس على شرشال والجزائر ومنطقة بومرداس، أعلن هذا القائد الشجاع ثورته رسميا سنة372م على حكومة روما، فامتدت نيرانها من شرشال غربا إلى سطيف شرقا. وكانت رد الفعل الروماني أن يضرب فيرموس بأخيه القائد جيلدون Gildon ، بعد أن أغرته روما بعدة امتيازات ترابية ووعدته بجوائز وغنائم كثيرة في حالة الانتصار على أخيه فيرموس والتصدي بالقوة للدوناتيين والدوارين المتحالفين مع أخيه.
وهنا نفهم جيدا بأن الرومان كانوا دائما عاجزين عن مواجهة القوات الأمازيغية بطريقة مباشرة ووجها لوجه، فكانوا دائما يضربون الأمازيغيين بالأمازيغيين، ولا يدخلون الحرب إلا بعد استنزاف القوات البربرية وتعب الجيوش المحلية وتشتت الجهود واشتعال الفتن والإحن والأحقاد بين ساكنة تامازغا. وبالتالي، يسهل على القوات الرومانية احتلال البلاد والسيطرة عليها وتطويق حركاتها التمردية، فيبدأون في التعذيب وإعدام الثوار والقواد والزعماء والتنكيل بالسكان وإحداث المجازر في حق النساء والشيوخ والصغار.
ويذهب محمد بوكبوط إلى أنه على الرغم من " إرسال إمدادات عسكرية لم يستطع الرومان إخماد الثورة إلا بشراء ضمائر بعض قواد فيرموس، باستغلال ثغرة أطماع أخيه جيلدون، فتآمر معهم ضد أخيه الذي انتحر سنة375م، مما أدى إلى تفكك حلف الثوار وتسهيل مهمة الرومان، فشنوا حربا لاهوادة فيها ضد الدوناتيين باعتبارهم محرضي الثوار، لكن النتيجة كانت عكس ما سعى إليه الرومان، إذ تجذرت الدوناتية في أوساط الأمازيغ تعبيرا منهم على الإصرار على التمسك بهويتهم والحفاظ على كينونتهم المتميزة عن المحتلين الرومان، ومن ثم كانت الدوناتية رد فعل مذهبي واجتماعي من جانب الأمازيغ ضد القوالب الفكرية والدينية التي كانت تسعى مؤسسات الاحتلال دولة وكنيسة صهر الأمازيغ فيها لاحتوائهم وطمس هويتهم".
وبعد أن أخمدت ثورة فيرموس من قبل القائد ثيوديسوسThéodose l’Ancien الروماني، عين جيلدون قائدا لنوميديا العسكرية سنة386م. لكن جيلدون لم يرتح للرومان ولنواياهم الخبيثة ، فأعلن بدوره الحرب على روما وقطع عليها إمدادات الحبوب والمؤن الزراعية، كما وزع أملاك الإمبراطور وممتلكات الملاكين الكبار على الفلاحين الأمازيغيين والفقراء النوميديين.
ولكن الحكومة الرومانية لم ترض بهذا الواقع المر الذي كاد أن يعرضها للفناء والزوال عندما أقدم جيلدون على منع السفن من شحن الحبوب والثروات إلى العاصمة الرومانية، فأرسلت روما قواتها لتضرب نوميديا بالنار والحديد انتقاما من الجماهير البربرية الثائرة، فارتكبت مجازر دامية في حق الأمازيغيين والثوار المنتفضين، فكان المآل أن قتل جيلدون من قبل أخيه مكزيزيل على غرار موتة أخيه فيرموس.
ولكن المقاومة الدوناتية بقيت مستمرة صامدة تعزف على إيقاع التحدي والصمود ومجابهة القوى الغازية. إلا أن المعركة ستتخذ طابعا إيديولوجيا عندما استغلت السلطة الرومانية رجال الدين الموالين لها وخاصة القديس أوغسطين لمحاربة الدوناتيين الذين يمثلون الدين الشعبي التحرري الذي كان مناقضا لتوجهات الكنيسة الرسمية التابعة للسلطة الرومانية المركزية. فدخل أوغسطين في صراع مع الشعب الأمازيغي وضد الثوار الدوناتيين والمضطهدين ، فاستخدم أسلوب الإبادة والقتل والتعذيب والتنكيل ناهيك عن مسؤوليته التاريخية المباشرة عن انعقاد محاكم التفتيش في نوميديا لمحاسبة الدوناتيين من أجل إرضاء الحكومة الرومانية والعمل على ترجمة نواياها الاستعمارية إلى أفعال إجرامية لتصفية المعارضين الأمازيغيين في أرض الواقع. ومن ثم، فقد كان أوغسطين خائنا للمقاومة الأمازيغية على غرار جيلدون في بداية مشواره العسكري القيادي.
ويقول محمد بوكبوط في هذا الشأن مشيرا إلى اقتراب نهاية الإمبراطورية الرومانية:" ففي بداية القرن الخامس، بلغ التحالف بين المطالب الاجتماعية والحركة الدوناتية حدا استدعى انعقاد مجمع أعلن فيه القديس أغسطين الدوناتية بدعة منافسة لقوانين الإمبراطورية، فمورس اضطهاد وحشي على الأمازيغ بتنظيم ما يشبه محاكم التفتيش، مما دفع أعدادا هائلة إلى إنكار اعتناقها تقية، فاختفت بذلك مظاهرها الخارجية، لكن نيران الثورة الاجتماعية ظلت مستمرة.
ودون الخوض في تطورات الأحداث يكفي القول: إن الولايات الرومانية تميزت أوضاعها بغليان يتفجر بين الفينة والأخرى في شكل ثورات عارمة، تداخلت فيها العوامل الاجتماعية والدينية والقومية، مساهمة في إفلاس النظام الروماني وعجزه عن صد الزحف الوندالي، الذي وضع حدا لقرون من الاحتلال الروماني.".
ولا يمكن لنا أن نعتبر مقاومة فيرموس كما يقول الدارسون الغربيون الموالون للثقافة الرومانية بأنها محاولة اغتصاب وتمرد وعصيان هدفها الخروج عن القوانين الرومانية من قبل حاكم محلي طائش، بل هي ثورة تحررية مشروعة الغرض منها إحقاق الحق وإبطال الباطل والتصدي للغزاة الظالمين الذين قدموا إلى شمال أفريقيا لاستنزافها وتجويع أهلها وتركيع سكانها الأحرار الذين لايرضون بالضيم والذل والعار.
وقد عمل فيرموس طول مقاومته على تحرير العبيد في مدن نوميديا: متيدجة وتيبازة وشرشال وإيكوزيوم، وبذلك كانت ثورته التحررية الاجتماعية والقومية تشبه ثورة القائد سبارتاكوس Spartacus الذي حرر عبيد روما، وجند مائة ألف منهم لمقاومة الحكومة الرومانية في71 قبل الميلاد، فاستمر الصراع بين الفريقين المتحاربين سنتين متواليتين إلى أن قضى عليها القائد الروماني كراسوس.
ولانتفق مع هؤلاء الدارسين الذين يذهبون إلى أن الصراع العائلي بين فيرموس و أخيه جلدون مرجعه الصراع القبلي بين العشائر الأمازيغية، ولا يمكن أن تكون المغالاة في الضرائب السبب المباشر في ثورة السكان المحليين ضد الهيمنة الرومانية، بل إن السبب في الصراع الأخوي كان وراءه الرومان الذين أوعزوا إلى جلدون بمقاتلة أخيه فيرموس مقابل امتيازات إمبراطورية عدة وتأهيله حاكما على ولايات نوميديا، بيد أن الرومان سخروا منه وبدأوا يعدون له العدة للقضاء عليه نهائيا؛ مما دفع جيلدون للثورة على الحكومة الرومانية والغضب عليها أشد الغضب. أما سبب تمرد الأمازيغيين عن الرومان فيعود إلى سياستهم العدائية والعنصرية وإظهار أهدافهم التوسعية في شمال أفريقيا ببناء خط الليمس عن طريق إبادتهم لساكنة تامزغا والسعي لاستغلال ثروات وممتلكات الشعب الأمازيغي الحر.

3- نتائج مقاومة فيرموس:

يتبين لنا أن مقاومة فيرموس استمرت من 172م إلى 175م في نوميديا التي تقع في وسط تامازغا، وقد قاد حملة تحررية قومية اجتماعية عمل فيها على تحرير العبيد بتنسيق مع الحركة الدوناتية وثورة الدوارين، وقد كان هدفه الأساس هو تخليص نوميديا من الهيمنة الرومانية وتحقيق الاستقلال الكلي الحقيقي، وذلك بطرد القوات الرومانية من كل بقاع نوميديا وموريطانيا وليبيا، والسعي الجاد من أجل توحيد كل القبائل والولايات الأمازيغية وجمع شمل برابرة القبايل في وحدة قومية قوامها: الحرية والحفاظ على الهوية والتخلص من العدو الغازي.
ولكن هذه الثورة ستخمد عن طريق الخيانة الأخوية والرشوة الرومانية لتأليب شعور الأمازيغيين على القائد فيرموس، فكانت النتيجة التي سببتها انتفاضة فيرموس عام 342م قرار الحكومة الرومانية إنزال كل قواتها بميناء جيجل الجزائرية بقيادة ثيودوسيوس لمجابهة هذه الانتفاضة العارمة التي اندلع أوارها بمنطقة بومارداس بصفة خاصة والجزائر بصفة عامة. وكانت نهاية فيرموس القتل على أخيه الخائن جيلدون الذي أعمته رشاوى الحكومة الرومانية ليقع هو بدوره ضحية أحابيل ومكائد سياسة روما.
وعلى الرغم من التدخل الروماني والقضاء على الانتفاضات الجزائرية، فقد اشتعلت فتن واضطرابات عارمة، وظهرت ثورات وقلاقل وحركات تمردية هنا وهناك، في موريطانيا الطنجية ونوميديا وليبيا وتونس ، واستمرت الحركة الدوناتية في المقاومة ومواجهة القوات الرومانية، فتحالف الأمازيغيون مع الوندال الذين سيدخلون شمال أفريقيا ليضعوا حدا نهائيا للتواجد الروماني في شمال أفريقيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moskod
عضو نشيط
عضو نشيط
moskod


المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 01/05/2008

[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Empty
مُساهمةموضوع: من هو يـــوداس أو إيوداس؟   [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Icon_minitimeالخميس يونيو 19, 2008 1:20 pm

--------------------------------------------------------------------------------

1- من هو يـــوداس أو إيوداس؟

يعد يوداس أو إيوداس من كبار المقاومين الأمازيغيين الموريين في شمال أفريقيا في القرنين الخامس و السادس الميلاديين ، إذ كرس كل حياته في خدمة بلده ومملكته و مقاتلة الوندال والبيزنطيين الذين استهدفوا احتلال نوميديا واستغلالها والتنكيل بساكنتها .
وقد ولد يوداس في جبال الأوراس بمنطقة نوميديا، وعد من كبار قواد الأوراسيين الذين خدموا القضية الأمازيغية ودافعوا عن حرية المملكة الأوراسية واستقلال الجزائر القديمة وتحريرها من قبضة الوندال أولا وبطش البيزنطيين ثانيا. وقد خاض حروبا حامية الوطيس ضد القوات الوندالية التي تغلغلت في شمال الجزائر ووسطها من أجل استعمار نوميديا والتنكيل بساكنتها المحلية قصد بسط نفوذها العسكري واستغلال ثروات المنطقة ولاسيما الفلاحية منها.
هذا، و أصبح يوداس فيما بعد أميرا أو قائدا أو ملكا للقبائل الأوراسية المستقلة بعد تراجع النفوذ الروماني في بلاد تامازغا سياسيا وعسكريا واقتصاديا أمام ضربات الونداليين والبيزنطيين. والدليل على اتخاذ حكام الموريين لهذه الألقاب السامية أنه في القرن السادس الميلادي تشكلت على يد القبائل المورية" نواة مؤسسات سياسية، يرأسها قادة موريون اتخذوا في بعض الأحيان اللقب الملكي، وهذه المؤسسات ليست مؤسسات محدثة ناتجة عن اندحار المملكة الوندالية، بل تعود إلى بداية تراجع الإمبراطورية الرومانية عن أجزاء هامة من شمال أفريقيا. ومع سقوط المملكة الوندالية اتسعت حركة استقلال القبائل المورية في مناطق واسعة من ولاية نوميديا وبيزاكينا وموريطانيا القيصرية وغيرها من الولايات. ويبدو أن كوريبوس، حين أشار إلى استقلال القبائل المورية، نعت زعيم الموريين بلقب لاتيني وهو Princeps الذي يعني الأول بين أقرانه ويترجم عادة بالأمير، أما بروكوب فلقد استعمل مصطلح أرخون ، وهو مصطلح إغريقي يقصد به أحد الحكام التسعة في أثينا، ويستعمل في بعض الأحيان تفاديا لاستعمال مصطلح ملك، بمعنى أن مصطلحي برانسيپس وأرخون يستعملان في معان تندرج من القائد الأعلى للحرب إلى الملك؛ لأن القبائل المورية كانت تحتفظ باستقلالها في تسيير شؤونها الخاصة، وهي لم تكن لتلتف حول زعيم أعلى تفوق سلطته شيخ القبيلة إلا في ظروف الحرب.
لذلك يظهر الملوك الموريون في النصوص التاريخية كمحاربين وقادة للجيش."
وعلي أي حال، فقد خطط الأمير الأوراسي يوداس لعدة حروب ضد الوندال والبيزنطيين حقق في بعضها الانتصار و انهزم في البعض الآخر ، وبعدها استعاد يوداس القوة من جديد لشن غارات شرسة على القوات البيزنطية العدائية.



لقد انطلقت مقاومة يوداس من الجزائر أو ماكان يسمى بنوميديا المورية، وتتموقع مملكة يوداس أو إيوداس جغرافيا في منطقة الأوراس وخاصة في جبالها الوعرة التي من الصعب التغلغل فيها لوعورة طرقها وتشعب منافذها. لذا، وحد يوداس القبائل الأوراسية وشكل مملكة مستقلة عرفت بالقوة والشراسة كبدت القوات الوندالية خسارة مادية وبشرية فادحة ، ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي الجبلي على غرار جبال الأطلس المغربية التي لم يستطع الرومان التوغل فيها نظرا لشساعة أرجائها وعسر اجتيازها واقتحام مراكز المقاومين العتاة.
وقد قدر جيش يوداس الأمازيغي الموري بحوالي ثلاثين ألفا، وكان الأوراسيون يسيطرون على السهول الخصبة والهضاب المجاورة للجبل من الشرق والغرب، وكانوا يتوسعون في كل الاتجاهات بشكل تدريجي إلى أن وصلوا التل الشمالي. وتوجد بجوار هؤلاء الأوراسيين القبائل المورية التابعة لكوتزينا، التي كانت تستقر بدورها ببيزاكينا، وبعد هزيمتها أمام الجنرال البيزنطي سولومون، اضطرت إلى البحث عن موطن لها بالقرب من إيوداس وأتباعه على الحدود الفاصلة بين بيزاكينا ونوميديا." أي أصبحت جبال الأوراس مكانا للاحتماء والتحصين والاختباء من القوات البيزنطية العاتية.
وبدأت مقاومة الملك يوداس بتنظيم حملة عسكرية قوية في العدد والعدة استهدفت تطويق الوندال ومحاصرتهم عسكريا بعد نزولهم في شمال نوميديا، وقد عملت مقاومة يوداس على تحقيق استقلال القبائل الأوراسية عن حكم الونداليين بعد وفاة ملكهم هونريك 484-477 م . كما قاد يوداس مقاومة عنيفة ضد التواجد البيزنطي في المنطقة بين سنوات 539-534م، فقام الأوراسيون بتخريب بعض المدن التي توجد في سفوح جبال الأوراس، والتي تشكل خطرا على المملكة الناشئة كمدينة تيمگاد التي كانت قريبة من الحامية العسكرية الوندالية المتمركزة في مدينة لامبيز.
ولم يكن الأوراسيون" جبليين منعزلين في معاقلهم النائية، رأوا في انهيار روما وتراجع الوندال، فرصة للانقضاض على المدن الرومانية لنهبها نهبا عشوائيا، فهم بما منحتهم منطقتهم من إمكانيات اقتصادية، حققوا استقلالهم عن السلطة الوندالية وأسسوا مملكة تحت قيادة إيوداس؛ تمتعت هذه المملكة باستقلال سياسي وكانت تقوم باستقبال عدد كبير من الثائرين على السلطة البيزنطية، مثل القائد كوتزينا الذي أقام في منطقة مجاورة للأوراس بعد فراره من البيزنطيين.
لكن على الرغم مما يبدو من كون المملكة الأوراسية كانت مملكة غنية اقتصاديا ومستقلة سياسيا، فإنه يصعب أن نعرف بالحجم الحقيقي للسلطة السياسية التي تمتع بها إيوداس."
ومن الأسباب التي أدت إلى ظهور المقاومة الأوراسية بقيادة يوداس هو طرد المستعمر الأجنبي من تامازغا بصفة عامة ونوميديا بصفة خاصة، وحماية استقلال مملكة الأوراس و الحفاظ على نفوذها السياسي وسلطتها المحلية وسيادتها الترابية، ناهيك عن السياسة الاستبدادية التي يمارسها المحتلون في التعامل مع ساكنة نوميديا وتركيزهم على استغلال ثروات البلاد وتجويع الأمازيغيين بعد السيطرة على ثرواتهم وممتلكاتهم وأراضيهم واستغلالهم للدين المسيحي في ذلك.
ومن الأسباب التي جعلت الموريين ينتصرون على البيزنطيين هو استعمالهم للتحصين وخاصة التحصين بالجمال ومعرفتهم الجيدة بالمنطقة واستخدام حرب العصابات ونهج سياسة الكر و الفر واستدراج البيزنطيين إلى المناطق الوعرة من أجل مراقبتهم وتطويقهم ومحاصرتهم عسكريا أو تسهيل عملية الفرار من وجود المحتل .
ويمكن الحديث عن مرحلتين أساسيتين في مقاومة يوداس وهما: مرحلة الهزيمة مع سولومون البيزنطي ومرحلة المقاومة والانتصار.

أ‌- مرحلة المقاومة و الهزيمة أمام قوات سولومون:

حاول البيزنطيون بقيادة سولومون سنة 535م استرجاع منطقة الأوراس وضمها إلى النفوذ البيزنطي، بيد أنه فشل في البداية بسبب اشتعال المقاومة الأوراسية بزعامة الأمير القائد يوداس الذي أظهر خبرة محنكة في إدارة الحروب والمعارك ضد البيزنطيين. وقد ساهمت وعورة الطرق في جبال الأوراس وقلة الماء وتمرد الجيش البيزنطي إلى اضطرار سولومون للعودة منهزما إلى مدينة قرطاجة .
بيد أنه في سنة 539م، سيعد سولومون حملته العسكرية الجديدة لمواجهة قبائل الأوراس ، ولكنها انتهت بانتصار القائد يوداس الذي أحسن التحكم في منابع مياه وادي أبيگاس ، حيث أغلق جميع" مجاري النهر باستثناء المجرى المتجه نحو مدينة باگاي، أي نحو المعسكر البيزنطي الذي غمرته المياه، مما دفع بكونتاريس إلى الفرار مع أفراد الجيش متجها نحو سولوم، الذي غادر قرطاجة وعسكر عند قدم الأوراس. وتوالت المواجهات بين منتصر ومنهزم، إلا أن تمكن أحد القادة البيزنطيين ويدعى كنزو Genzo ، من تسلق جبل الأوراس والاقتراب من معسكر الأوراسيين، وقتل ثلاثة من المحاربين أتباع إيوداس،مما ساعد على اندفاع باقي أفراد الجيش البيزنطي عبر هذا الممر، فكانت وسيلة الأوراسيين الوحيدة للخلاص هي الفرار خصوصا بعد إصابة إيوداس في ذراعه، وفراره بدوره عبر الطريق المؤدية إلى موريتانيا. فتحقق بذلك لسولومون السيطرة على منطقة الأوراس ، خصوصا السفوح الشمالية لفترة زمنية محدودة".

ب- مرحلة انتصار المقاومة الأوراسية على القوات البيزنطية:

بعد هزيمة يوداس أمام قوات سولومون البيزنطي، فر الزعيم الأوراسي الجريح إلى موريتانيا، ولم يرجع إلى مملكته في جبال الأوراس الشامخة إلا في سنة 546م بعد تدهور الوندال وضعف القوات البيزنطية في نوميديا واشتعال مقاومة حليفه أنطالاس فيما بين حدود تونس والجزائر، والذي سيتحالف عسكريا واستراتيجيا مع القائد يوداس لتطويق القوات البيزنطية ومحاصرتها من جميع الجهات قصد دحرها وإرجاعها إلى الخلف.
ومن المعلوم أن القبائل الأوراسية تعد من أعتى القبائل المورية الأمازيغية شراسة ومقاومة، فقد ثار سكان الأوراس مدة سبع سنين من 477 إلى 484م،" فأوقفوا زحف الوندال وألحقوا بهم الهزائم تلو الهزائم. وهذه الوقائع هي التي قضت على سمعة الوندال وأعادت الأمل إلى نفوس أعدائهم الكاثوليكيين المضطهدين. كذلك عندما انتصر البيزنطيون سنة 533م على الوندال وظنوا أنهم قادرون على استعادة المغرب بكامله وجدوا أمامهم نفس الخصوم وواجهوا نفس المقاومة العنيدة. حاربهم يوداس أمير الأوراس أربع سنوات ثم التجأ إلى الغرب ليسترجع أنفاسه قبل أن يعيد الكرة مرة أخرى."
وفي سنتي 534-539م، شن القائد يوداس حملات عسكرية عنيفة ضد المواقع البيزنطية فكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وسيطر على المراكز الإستراتيجية وأحرق المدن التي توجد في الطرق القريبة من الثكنات العسكرية التي كان يتحصن فيها البيزنطيون ، ولم يتمكن الأوراسيون من زمام القوة والسيطرة إلا بعد تحالف يوداس مع القائد أنطالاس الذي أظهر بدوره شجاعة نادرة في مقاومة الوجود البيزنطي الشرس.
ولم يتحطم الجيش البيزنطي بكامل عناصره في الحقيقة إلا في سنة 534م مع أربعة قادة من حكام القبائل المورية الأمازيغية وهم: كوتزيناس وإسديلاس وإييورفوتين ثم مديسنيسا. لذا، سيوجهون للبيزنطيين ضربات موجعة عبر توالي تاريخ المقاومة الأمازيغية خاصة مع أنطالاس وييرنا.
وعليه، فقضاء" البيزنطيين على الوندال لم يكن يعني استرجاعهم للولاية الأفريقية، فالمرحلة التي عاشت خلالها بيزنطة صراعا عسكريا ضد الموريين، كانت أعنف وأشد من المرحلة الأولى، عبرت خلالها القبائل المورية عن مدى تشبثها بالأرض، ولعل كثرة الحصون التي أنشئت في مراكز جغرافية متعددة قد توحي باضطراب عسكري عاشته أفريقيا في القرن السادس الميلادي. فالإستراتيجية العسكرية للقرن السادس، أظهرت عدم قدرة الجيش البيزنطي على خوض معركة منظمة، ودعت إلى ضرورة تحصينه وراء سور أو حصن خلال المعارك التي خاضتها ضد الموريين. كما أن دراسة وضعية الجيش البيزنطي أظهرت مدى ضعف وتراجع أعداده، فضلا عن تكاثر ثوراته وانعدام انضباطه. فوجد البيزنطيون في هذه الحصون وسيلة عسكرية لتحقيق دفاع فعال عن الولاية الإفريقية ضد الموريين."
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moskod
عضو نشيط
عضو نشيط
moskod


المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 01/05/2008

[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Empty
مُساهمةموضوع: [color=blue][size=24]المقاومة الأوغسطينية [/size][/color]   [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Icon_minitimeالخميس يونيو 19, 2008 1:26 pm

عند الحديث عن تاريخ البرابرة والشخصيات الثقافية الأمازيغية يتبادر إلى أذهاننا شخصية القديس الجزائري أوغسطينيوس أو أوغسطين الذي يعد أكبر مثقف أمازيغي عبقري في التاريخ القديم إلى جانب الملك المغربي يوبا الثاني، ولاسيما أنه المؤسس الفعلي لفن السيرة الذهنية والكتابة الأوطوبيوغرافية، ويعتبر كذلك من رواد الفكر اللاهوتي، وصاحب نظريات فلسفية ودينية مازالت تدرس إلى يومنا هذا في علم اللاهوت الغربي.

ويعد كذلك من بين ثلاثة وثلاثين دكتورا الذين يحسبون على الكنيسة المسيحية الغربية. ويحتفل الكاثوليكيون في 28 غشت بعيد موته تكريما له وتبجيلا ، زد على ذلك أنه من المنظرين اللاهوتيين الذين لهم أهمية كبرى داخل المؤسسة الكنسية بعد القديس پول ؛ لكونه حاول تطوير الفكر الديني الكاثوليكي.

وقد ارتبط أوغسطين أيضا بالمقاومة الدينية على غرار المناضل الأمازيغي دوناتوس، بيد أن هذه المقاومة الأوغسطينية لم تظهر إلا مع مرحلة الغزو الوندالي الهمجي بعد أن كان حليفا للرومان بمثابة أب للكنيسة اللاتينية وحليف للقوات الرومانية في التنكيل بالمعارضين والمتمردين و الثوار الأمازيغيين من أجل إرضاء حكومة روما العنصرية.

وسنتعرض في هذه الحلقة لشخصية أوغسطين قصد معرفة التطورات التي مرت منها مقاومته الدينية والثقافية، وتحديد الأفكار التي تتضمنها مؤلفاته التي كتبت في سياق الصراع الأمازيغي ضد الرومان والوندال.

من هـــو أغسطينوس؟

ولد القديس والكاتب الأمازيغي الكبير أوريليوس أغسطينوس أو أغسطين أو أوغستان ( Saint.Augustin) في 13نوفمبرمن سنة 354م من أم بربرية مسيحية اسمها مونيكا، وأب وثني روماني عبارة عن موثق بسيط كان يسمى پاتريسيوس في مدينة تاگيسته (سوق الهراس) بالجزائر (نوميديا). وقد دافع أوغسطين كثيرا عن هويته الأمازيغية وكنعانيته السامية في رسالة له إلى أهل روما، وكان يقول:” إذا سألتم سكان البوادي عندنا في نوميديا، قالوا: نحن كنعانيون”، ويعني هذا أن لغة أوغسطين هي النوميدية المتأثرة باللغة الفينيقية الكنعانية أو هي الأمازيغية النوبية ذات الجذور الكنعانية. بيد أن ثقافته لاتينية ، ولايتقن من الإغريقية إلا النزر القليل.1

وتلقى أوغسطين تعليمه في تاگيسته و مودوروس منذ السادسة عشرة من عمره، وسافر إلى قرطاج ليستكمل دراساته . وبعد ذلك، انتقل إلى إيطاليا في مرحلة الغزو اللاتيني لشمال أفريقيا للتعلم والدراسة في روما وميلانو. وقبل سفره كان متأثرا بالأفلاطونية المحدثة.

وقد مارس أوغسطين مهنة التعليم، و كان يعطي دروسا في البلاغة في مدينة قرطاج و مدن إيطاليا، وانتقل حيال مدينة عنابة سنة 388م التي أقام فيها ديرا للتعبد والاعتكاف الديني ليتقلد عدة مناصب دينية إلى أن عين في منصب أسقف مدينة عنابة سنة 395 م ، وصار بعد ذلك أبا للكنيسة اللاتينية. وقد توفي أوغستان في29/08/ 430 م بمدينة عنابة (Hippone).

وتشبع أوغسطين بالمعتقد المسيحي تأثرا بأمه القديسة مونيكا، وتأثرا كذلك بأسقف ميلانو القديس أومبرواز Ambroise وذلك سنة386م.

هذا، وقد دافع أوغسطين كثيرا عن مبادئ المسيحية الكاثوليكية الرسمية التابعة للكنيسة الرومانية، ووقف في وجه الحركة الدوناتية ذات الملامح الثورية الشعبية. وكان” خطيبا وكاتبا من طراز عال، فلم يتح للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط”.2

ويعرف على أوغيسطينيوس أنه في بداية حياته كان ماجنا متهتكا وشابا عربيدا. إلا أنه تاب بعد ذلك وأصبح متدينا وزاهدا متقشفا. وبالتالي، كان القديس أوغسطين” ثاقب الذهن، واسع الفكر، غزير العلم، ارتوى من مبادئ الديانة المسيحية، فأصبح من أكبر القسيسين ورجالات الكنيسة الكاثوليكية. وقد كرس حياته الصالحة في مقاومة الزنادقة ومكافحة المذاهب الأخرى التي من شأنها أن تقف حجر عثرة في سبيل تقدم الديانة المسيحية؛ وكان يستعمل سائر الوسائل لمحاربة المذهب الدوناتي(donatisme ) الذي كان يرمي الكاثوليكيين بتسرب الضعف إلى عقيدتهم الدينية كما كان يحارب المذهب المانكي Manichéisme ) ) والمذهب الآري الذي سينتحله، فيما بعد، القائد جنسريق، ملك الوندال.”3

وعلى الرغم من ثقافة أوغسطين اللاتينية ، فإنه كان يقدم قداسه ومواعظه باللغة المحلية أو اللغة الفينيقية ؛ لأن الأمازيغيين في شمال أفريقيا كانوا يجهلون اللغة اللاتينية لكونها لغة المثقفين الذين درسوا بروما وأصبحوا من مؤيدي الحكومة الرومانية، بل كانوا يرفضونها؛ لأنها لغة المستعمر، والهدف من نشرها في الأوساط الأمازيغية هو العمل على نشر سياسة الرومنة والترومن. وفي هذا يقول الأستاذ الحسن السايح:” ورغم هذا التأثير الروماني فقد ظل الشعب المغربي يتكلم الفينيقية ويحدثنا القديس(أوغسطونيوس) وهو أحد رجال الدين المغاربة، أنه كان يستحيل عليه أن يلقي قداسه باللغة اللاتينية لأن معظم الناس الذين يستمعون إليه لايعرفون حرفا واحدا من اللاتينية، وإنما كانوا يعرفون اللغة الفينيقية، التي كانت منتشرة انتشارا واسعا، حتى إن العرب الذين جاؤوا المغرب وجدوا الناس يتكلمون اللغة الفينيقية، وهي لغة سامية أخت العربية، بل إنها لهجة من اللهجات العربية فكان الانتقال منها إلى لغة أخرى كالانتقال من اللهجة المغربية إلى المشرقية.”4

وكان أوغسطينيوس شخصا مثقفا وفيلسوفا لاهوتيا موسوعيا لم يستطع أحد أن يصل إلى مستوى هذا العالم إبان العصر القديم حيث امتلك ثقافة لاتينية عميقة وواسعة المدارك ومتنوعة المستويات والمفاصل، وعد في المجال الديني ضمن آباء الكنيسة. ولا يمكن أن نضع إلى جانب أوغستان الجزائري إلا شخص واحد يقترب منه فكريا وهو المثقف المغربي الكبير يوبا الثاني الذي نهل من معارف عدة، وتمكن من لغات مختلفة، وتبحر في الكثير من المعارف العلمية والأدبية والفنية والسياسية والإدارية.

ومن جهة أخرى، ترك لنا أوغسطين نظرية فلسفية دينية متكاملة مازالت تدرس وتناقش إلى يومنا هذا في الملتقيات اللاهوتية والفكرية، وتنسب إليه تحت اسم” الأوغسطينية” Augustinienne.

وثمة عوامل عدة تحكمت في توجيه شخصية أوغسطين، ويمكن إجمالها في: خطابة شيشرون، وقراءة الإنجيل و الاطلاع على تأويلاته وفحص لغة كتابته وخاصة الإنجيل الإفريقي، والانسياق وراء العقيدة الثنائية التي تسمى بالمانيكية، كما تأثر كثيرا بفلسفة أفلاطون والفلسفة الأفلوطينية المحدثة.

ومن مرتكزات نظرية أوغسطين: الإيمان الروحي، والحب، والعقل، والحكم العادل، والقدر الإلهي، والإرادة، والخير، و التذكر بدل الجهل والنسيان، والحرب العادلة، والخطيئة الأصلية، والطبيعة، والتعويض، والتجسيد الحلولي ، والملكية الخاصة.

مـــؤلفاتـــــه:

ألف أوغيسطينوس أكثر من مائتي كتاب باللاتينية ، وتصنف كتبه وردوده ضمن إطار الثورات الدينية والأدبية التي كانت تشتعل في نوميديا بالخصوص بين الدوناتية والكنيسة الأفريقية المسيحية. وكان المناضل الأمازيغي دوناتوس هو الذي يقود الحركة الدوناتية ، ومن المعلوم أن هذه الحركة ذات طابع ديني شعبي ثوري راديكالي تتشكل من الفقراء والمعدمين والبؤساء والثوار المحليين والعبيد الضعفاء، تدافع عن هوية الساكنة واستقلال دولة تامازغا، وتحارب الرومان وتطالب السكان المحليين بطردهم بالقوة من شمال أفريقيا .

أما الكنيسة الكاثوليكية الأمازيغية التي يتزعمها أوغستان فقد استهدفت نشر العقيدة المسيحية كما هو متعارف عليها في الكنيسة المركزية الرومانية ، بيد أن هذه الكنيسة كانت في خدمة الإمبراطور الروماني قسطنطين، تهادن الحكومة الرومانية في حالات السلم والحرب، وتعطي المشروعية الدينية للمعمرين الأجانب والمرابين وأصحاب النفوذ، وتبرر استغلال الإقطاع الروماني لساكنة نوميديا بصفة خاصة وشمال أفريقيا بصفة عامة.

وعليه، لابد من وضع مؤلفات أوغيسطينوس ضمن هذا السياق التاريخي الذي ينحصر في الصراع الأمازيغي ضد الرومان والوندال، وضمن الصراع الديني والاجتماعي والعسكري الذي كانت تخوضه الكنيسة الكاثوليكية ضد المذهب الدوناتي وحركة الدوارين الاجتماعية . وكانت لا تناصر في ذلك سوى القوات الرومانية وتؤيد كل القرارات التي تصدرها الحكومة اللاتينية لإبادة المعارضين الأمازيغيين.

وجل الكتب التي ألفها القديس أوغسطينيوس كانت باللغة اللاتينية، لكن قداسه الديني كان يقدمه باللغة الفينيقية أو اللغة المحلية التي كان يفهمها الشعب الأمازيغي؛ لأن اللاتينية كانت مقتصرة على كبار المثقفين والموظفين الإداريين التابعية لحكومة روما، وفي هذا يقول القديس أوغسطين:” إن الدولة الرومانية التي تعرف كيف تحكم الشعوب؛ لم تفرض على المغلوبة منها سيطرتها فحسب، بل لغتها أيضا”.5

وعلى أي حال، فالقديس أوغسطين عميق التفكير، ورجل دبلوماسي في تعامله مع الرومان، كثير الجدال والمناظرة، وهو كذلك:” فيلسوف قبل كل شيء، رجل يحلل الآراء ويرى كل ماتحوي ومبدأها الأول ومداها ونتائجها النهائية. وهو فوق ذلك خطيب عظيم مؤرخ أو بالأحرى فيلسوف للتاريخ في كتابه” مدينة الله”، وهو أخيرا شاعر للقلب والوجدان الممتع في” اعترافاته” الخالدة. وربما كان هذا الرجل أغرب رجل في العالم القديم كله.”.6

ومن أهم كتب أوغسطين: اعترافاتي، ومدينة الله، والثالوث المقدس، والنعمة.

أ- اعترافات أوغسطينوس:

ومن أهم مؤلفات القديس أوغستان سيرته “اعترافاتي” Mes confessions التي أصبحت بمثابة البداية الحقيقية للكتابة الأوطبيوغرافية في الفكر الإنساني. ويعني هذا أن هذا المؤلف هو أول كتاب وصل إلينا في باب السيرة الذاتية الروحية ذات الطابع الديني الذي يشتبك بالطابع التاريخي ، حيث يقدم فيه الكاتب اعترافاته بكل صدق وصراحة، ويفصل حياته الغريبة ويوضح انسياقه وراء الأهواء والشهوات، ولاسيما في قرطاج حيث ولع بالمسرح والحب والجنس، ويبين لنا كيف تعرف الله وكيف انتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي. كما يكشف لنا عن تصوره وموقفه من الصراع العقائدي والاجتماعي والتاريخي الذي كان يعيش فيه أوغسطين إبان مرحلة الصراع الأمازيغي / الروماني.

ويدعو الكاتب في الأخير في هذا المؤلف الديني إلى سلام الروح ومحبة الإله والارتماء في أحضان الرب من أجل الاستراحة النورانية.

وتعني الاعترافات في المفهوم المسيحي بوح الإنسان واعترافه للراهب بأخطائه وذنوبه قصد الحصول على العفو. ويسير الكتاب في هذا المنحى الاعترافي المسيحي، فيعترف أوغسطين بكل جرأة بأخطائه ومجونه من أجل الظفر بالتوبة والغفران الرباني.

ومن المعروف أن هذا الكتاب كتب بين391 و400م في حياة الكاتب أوغسطين ، بينما كتاب ” مدينة الله ” و”الثالوث المقدس” لم يكتبا ويستكملا إلا بعد وفاته وبالضبط في 400 م.

وإذا أراد الدارسون التأريخ للسيرة الذاتية في الغرب يبدأون بالقديس أوغسطين ليتبع بجان جاك روسو بكتابه” اعترافات روسو”، على الرغم من أن أوغسطين مفكر عبقري أمازيغي لايمت بصلة كبيرة إلى الهوية الأورپية من حيث اللغة والهوية والشعور والوجدان. ومهما حاول الرومان رومنة المثقفين الأمازيغيين وتجنيسهم، فقد ظل هؤلاء متشبثين بهويتهم الأصلية والدفاع عن وطنهم كما فعل أوغسطين لما مات شهيدا من أجل حرية مدينته عنابة.

والدليل على ريادة سيرة أوغسطين ومكانتها في الأدب الإنساني والعالمي ما قاله الدكتور إحسان عباس في كتابه” فن السيرة”:” وفي السير الذاتية بالغرب معالم كبيرة كان لكل معلم منها أثره في كتابة السيرة الذاتية وطريقتها، وفي طليعة تلك السير” اعترافات القديس أوغسطيس” فإنها فتحت أمام الكتاب مجالا جديدا من الصراحة الاعترافية، وشجعت الميل إلى تعرية النفس، في حالات كثيرة تلتبس بالآثام، أو يثقل فيها عناء الضمير.”.7

ومن أهم مميزات كتاب” اعترافاتي” أنه كتب بطريقة شاعرية روحانية وجدانية يستقطر فيها الكاتب دموع المعاصي و الذنوب ليعوضها براحة التوبة والغفران مقابلا بين الحياة والموت والدنيا والآخرة.

ب- مدينة الله:

يشتمل كتاب” مدينة الله “La cité de Dieu على اثنين وعشرين فصلا أراد فيها صاحبها أن يبين فضل الآخرة على الحياة الدنيا ضمن منظور عقدي مسيحي. كما يؤول فيه كتاب الإنجيل من خلال اجتهاداته وتجاربه الدينية والروحانية متأثرا في ذلك بالفلسفة الأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة و العقيدة المانيكية.

هذا، ويحوي المؤلف آراء عميقة وحصيفة في مجال فلسفة التاريخ وتأريخ اللاهوت وتفسير الإنجيل وتأويله. وقد انتشرت آراؤه الدينية والفلسفية بين المفكرين واللاهوتيين المسيحيين فيما بعد، وعرفت تصوراته الدينية وتفسيراته المذهبية بالنظرية( الأوغسطينية).

وسيهتم المسيحيون فيما بعد بأفكار أوغسطين التي طرحها في كتابه “مدينة الله” وخاصة فكرة الخطيئة، وفكرة الحكم الحر، ولاهوتية التاريخ.

ولابد أن نذكر أن أوغسطين قد حارب الدوناتية والمانكية والآرية والپيلاجية واليهودية وكل الدعوات الوثنية والدينية المنحرفة، وحاول في كتاباته جاهدا التوفيق بين العقل والإيمان.

ج- الثالوث الأقدس trinité:

يلاحظ على هذا الكتاب أنه لم يجمع ويستكمل إلا بعد وفاة القديس أوغسطين وذلك في سنة 400م ، ويعالج المعتقد المسيحي الذي يتمثل في الثالوث أو التثليث أو الثالوث الأقدس ضمن التصور المسيحي الكاثوليكي. أي إن الكتاب يدرس التصور المسيحي الذي يشخص الرب في ثلاثة أشخاص أو أقانيم (الأب، والابن، والروح المقدسة) متميزة ومختلفة ومتساوية ومنصهرة في بوتقة طبيعية واحدة ( الحلولية)غير منقسمة (وحدة الوجود).

مظاهر مقاومة أغوسيطينيوس:

يمكن الحديث عن مرحلتين في حياة أوغسطينيوس على مستوى المقاومة، وهما: مرحلة الاحتلال الروماني ومرحلة الغزو الوندالي.

مرحلة الاحتلال الروماني:

كان أوغسطينوس في هذه المرحلة الأولى مهادنا للرومان وخائنا للقضية الأمازيغية وخادما للكنسية المسيحية الرسمية الموجودة بروما ومواليا للإمبراطور الروماني قسطنطين.

و قد حارب القديس أوغسطينوس المذهب الدوناتي وكل أتباعه الثوريين، كما وقف في وجه حركة الدوارين بالقوة والصرامة وذلك بتشريد المنشقين عن السلطة الرومانية المركزية وكل المتمردين عن النظام الإمبراطوري اللاتيني بالاعتماد على سياسة القمع والتقتيل والتنكيل. وساهم كذلك في إعداد محاكم التفتيش الدينية إرضاء للحكومة الرومانية وطمعا في الغنائم المادية والامتيازات المعنوية لتصفية الدوناتيين والقضاء على المنشقين عن الكنيسة المسيحية الكاثوليكية المركزية أو الإفريقية.

ومن المعلوم ، أن الأمازيغيين رفضوا المسيحية الرومانية التي كان يدعو إليها قسطنطينوس الأول؛ لأنهم وجدوها عقيدة لاتخدم سوى الأقوياء من الحكام الرومان، وتقدم المشروعية الدينية للمستغلين الغزاة الأجانب لاسترقاق العبيد وتسخيرهم في الأعمال الشاقة من أجل مصالحهم ومآرب الإمبراطور والحكومة الرومانية، ومن أجل سعادة الشعب الإيطالي الذي كان يعيش في الترف وبحبوحة العيش على حساب الأمازيغيين الأفارقة الذين كان الجوع ينخر بطونهم ولم يجدوا ما يعيلون به أولادهم وأسرهم. هذا ما دفع الأمازيغيين للانتقال إلى المذهب الدوناتي الثوري الاجتماعي الذي كان يدافع عن الطبقات الفقيرة.

ويقول الأستاذ محمد شفيق في هذا الصدد:” ولما انقلب الوضع الديني في روما نفسها، إذ تخلى الإمبراطور قونسطانتينوس الأولConstantinus1 عن الوثنية، سنة313م، واتخذ المسيحية دينا للدولة، لم يلبث أن ظهر من بين النصارى الأمازيغيين ثلة من الزعماء الروحيين أعلنوا انشقاقهم عن الكنيسة الرسمية؛ فسموا بـــ” الدوناتيينDonatistes ” نسبة إلى دوناتوس Donatus أحد منشطي حركتهم، وانتشرت دعوتهم في البوادي خاصة، واستمرت تنفخ في النفوس روح المقاومة المعنوية للرومان ثم للبيزنطيين بعدهم، إلى أن جاء الإسلام، وذلك رغم مالقيه المنشقون من أنواع التنكيل والتشريد، ورغم مساندة القديس أوغوسطينوس الأمازيغي الأصل للكنيسة الرومانية الرسمية.”8

ويتبين لنا مما سبق أن صراع أوغسطينوس مع الدوناتيين والدوارين لم يكن في الحقيقة صراعا دينيا كما يبدو ذلك على مستوى السطح، بل كان صراعا سياسيا واجتماعيا بين أنصار الرومنة والتطبيع مع الرومان و يتزعمهم في ذلك القديس أوغسطين، وأنصار الثورة الراديكالية الذين يدافعون عن المصالح الأمازيغية ويحاربون الإمبراطورية اللاتينية وعملائها المهادنين الخونة وكل الجواسيس الذين يسخرون من أجل خدمة النظام الروماني و دعم قواته المتوحشة، ويمثل هذا التيار الثوري القائد الديني القديس دوناتوس.

ب- مرحلة الغزو الوندالي:

لم تظهر مقاومة أوغيسطينوس إلا في مرحلة الغزو الوندالي أثناء محاصرة بونيفاص قائد الوندال المتوحشين الهمج الذين قصدوا مدينة عنابة لمحاصرتها وتطويقها والتنكيل بأهلها وتدمير عمرانها وتخريب آثارها وقتل ساكنتها . وقد دافع عنها أوغستان دفاع الأبطال حتى توفي شهيدا سنة 430 م. وبعد ذلك، سقطت المدينة في قبضة الأعداء. ويقول الدكتور عز الدين المناصرة في هذا الصدد:” جاء الفاندال(يقصد الوندال) بقيادة جنسريق سنة 429م واحتلوا الجزائر بعد أن قاوم القديس أوغسطين مقاومة باسلة دفاعا عن مدينة بونة ( عنابة) التي كانت آخر معقل روماني يسقط في يد قبائل الفاندال ثم سقطت قرطاجنة حيث أصبحت عاصمة لهم واستمرت دولة الفاندال من 431م- 534م. وهم منحدرون من السلالة السلافية، قدموا من جنوب ألمانيا. ومن اسمهم جاءت تسمية الأندلس( فاندولوسيا). وقد سيطر الفاندال على تونس ونوميديا وتبسة والمغرب الأقصى.”9

وقد تعاطف حتى الذين اعتنقوا الأريوسية من هؤلاء الوندال مع ضحايا عنابة، واستنكروا وحشية التنكيل والقهر والبطش اللاإنساني ضد ساكنة الجزائر. ولكن في التاريخ البشري لا تنفع ساعات الحسرة والندم.

خاتمـــــة:

يمكن القول في الأخير: إن مقاومة أوغسطين كانت ذات طبيعة دينية شأن دوناتوس وذات طبيعة ثقافية أيضا على غرار مقاومة يوبا الثاني. وعلى الرغم من سلبيته تجاه القضية الأمازيغية في مرحلته الأولى في ظل الحكم الروماني، إلا أنه استطاع أن يغير موقفه الديني ليكون إيجابيا لصالح الأمازيغيين حينما قاوم الوندال المتوحشين دفاعا عن الجزائر بصفة عامة وعنابة بصفة خاصة من أجل الاستقلال وحرية البلاد. ورفض أوغسطين استقبال المتغطرسين الغزاة الذين لاهدف لهم سوى سفك الدماء واستغلال ثروات الشعوب المستسلمة والمغلوبة على أمرها.

ومن أهم تجليات مقاومته الثقافية والتي شرفت الأمازيغيين إلى يومنا هذا ، أنه المؤسس الحقيقي للأوطبيوغرافيا( فن السيرة الذاتية) ، ومجدد الفكر المسيحي الكاثوليكي وصاحب نظريات فلسفية ولاهوتية تركت تأثيرها في الكثير من المفكرين والفلاسفة وعلماء اللاهوت قديما وحديثا من پول أوروز Paul Oroseإلى پول ريكور Ricoeur مرورا بپاسكال Pascal وكالڤان Calvin ومارتن لوثر Luther وتوماس الأكويني Thomas d’Aquin ويوحنا أريندت Hannah Arindt وأدولف ڤون هارناك Adolf von Harnack وأنسيلم دو كانتوربيري Anselme De Cantorbéry.

وعلى أي، فقد كانت لأفكار أوغسطين في الحقيقة تأثير كبير على المثقفين والمفكرين في العصور الوسطى وعلى الپروتستانتية الدينية والمذهب الكنسي الجانسيني. كما كان لها تأثير فعال على التيارات الحديثة والمعاصرة التي تدعو إلى الحرية والطبيعة الإنسانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moskod
عضو نشيط
عضو نشيط
moskod


المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 01/05/2008

[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Empty
مُساهمةموضوع: [[color=darkblue]size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية: ثورة الدوارين [/size][/color]   [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Icon_minitimeالخميس يونيو 19, 2008 1:35 pm

تمهيـــــد:


اتخذت المقاومة الأمازيغية في شمال أفريقيا إبان الاحتلال الروماني عدة أشكال، فهناك المقاومة العسكرية التي التجأ إليها كل من يوغرطة وبويا الأول وماسينيسا وتاكفاريناس وأيديمون وبطليموس وفيرموس، والمقاومة الدينية التي كان يعتمد عليها كل من دوناتوس وأغسطنيوس، والمقاومة الثقافية التي كان ينهجها يوبا الثاني في بناء حضارة مملكته في موريطانيا الطنجية وموريطانيا القيصرية. أما المقاومة الاجتماعية فتتمثل بكل جلاء في ثورة الدوارين التي تطبعت بطابع اجتماعي ثوري استهدفت التمرد عن النظام الروماني ومحاربة الاستغلال اللاتيني البشع والتصدي لسياسة التفقير والتجويع التي كان ينهجها الإقطاع الروماني ضد ساكنة تامازغا وبرابرة نوميديا .

وفي مقابل المقاومة الأمازيغية وشهامة أبطالها الشرفاء، كان هناك بعض الخونة الذين باعوا مجموعة من المقاومين الأشاوس للرومان من أجل الحصول على المناصب الرفيعة والامتيازات السامية والاستفادة من الغنائم السنية والجوائز الغالية والتوسع على حساب إخوانهم الجيران من الأمازيغ مقابل خدماتهم السخية للحكومة الرومانية. ومن هؤلاء نذكر: بوگوس الحاكم الموريطاني، والملك گودا والملك بوگود حاكمي الممالك النوميدية.

وسنحاول في هذه الدراسة التعريف بثورة «الدوارين"، وتحديد الأسباب التي أفرزت هذه الثورة، وتبيان النتائج التي ترتبت عن تطور مقاومتها الاجتماعية.


التعريف بثورة الدوارين:


إذا أردنا أن نعرف ثورة الدوارين Les circoncellions فنقول بكل بساطة : هي تلك الثورة الأمازيغية الاجتماعية التي ظهرت في شمال أفريقيا أثناء تواجد الاحتلال الروماني فوق أراضي الأمازيغيين وذلك في القرنين الثالث والرابع الميلاديين. وقد تشكلت هذه الثورة من الفقراء والمعدمين والمعوزين والبؤساء الأمازيغيين الذين حرموا من أراضيهم الفلاحية وممتلكاتهم وخيراتهم وطردوا خارج خط الليمس الأمني.

وأمام إمعان الرومان في اضطهاد الأمازيغيين وتجويعهم وتفقيرهم وتعريضهم للأوبئة والموت المحتوم، ظهرت جماعة من الفقراء الأمازيغيين الذين كانوا يدورون ويحومون حول مستودعات الحبوب ؛ لسرقتها ونهبها قصد إشباع بطونهم الجائعة وسد رمقهم المستمر. ولم تكن هذه الحبوب والخيرات إلا عرق جبينهم و ملكهم الحقيقي الذي كانوا يشتغلون من أجله ليلا ونهارا؛ لأن الرومان استولوا على أراضيهم عنوة وقهرا بدون سند قانوني أو شرعي. ومن ثم ، سميت ثورتهم ضد المغتصب الروماني بثورة الدوارين.1

ولم تظهر هذه الانتفاضة العارمة الملقبة بثورة الدوارين إلا في سياق الثورات الأمازيغية العديدة التي كانت تشتعل هنا وهناك. وبالتالي، فقد واكبت ثورة الدوارين انطلاق الثورة الدوناتية الدينية؛ مما أكسب ثورة الدوارين مشروعية دينية من قبل الرجال الدوناتيين وأساقفة الكنيسة الأمازيغية التي كانت ترفض الوجود الروماني فوق أراضي تامازغا، وتكره الظلم والضيم وسياسة الاستغلال والتفقير التي كانت تعتمد عليها الارستقراطية الرومانية في تسيير شؤون الممالك الأمازيغية وتدبير مواردها الاقتصادية. والكل يعرف أن دوناتوس كان ينادي بإبعاد الأشرار الرومان من نوميديا ، ولاسيما كبار الملاكين والمرابين وذوي النفوذ من رجال الكنيسة.

لكن المؤرخين الغربيين يقدمون تعريفا سلبيا للدوارين باعتبارهم مجرمين وزعماء عصابة إرهابية خارجة عن القانون وتشريعات الحكم الروماني تستلزم التأديب والعقاب. فيقول بعض هؤلاء الدارسين بأن الدوارين:" عصابة من العراة جمعت الغاضبين والمغامرين وصعاليك البربر والمعمرين المفلسين والفلاحين المجردين من أملاكهم والعبيد الآبقين".2

ويبدو أن هذا الحكم صادر من دارس أجنبي موال ومنحاز للرومان والثقافة اللاتينية مهما كان تجرده العلمي. و بالتالي، يخدم هذا النص التاريخي جماعة الدوارين أكثر مما يسيء إليهم، فإذا أخذنا كلمات مثل: الغضب، والإفلاس، والعراة، والصعاليك، والمجردون من أملاكهم، والعبودية. نستطيع أن نفهم بكل سهولة بأن هذه الثورة حركة راديكالية تحررية ، وحركة طبقية اجتماعية شاملة، شارك فيها كل أبناء تامازغا وأخص المنحدرين من الطبقة الاجتماعية السفلى والتي كانت تسمى في عرف الرومانيين بطبقة الأجانب (Pérégrins ).

وقد شارك في هذه الثورة الپروليتاريون الأمازيغيون إلى جانب المعمرين الرومان ، وبالضبط الذين كانوا يرفضون الظلم الروماني والضرائب المجحفة التي دفعتهم إلى الإفلاس والغضب على الحكومة الرومانية. كما أن هذه الثورة لم يقم بها إلا المتضررون الذين فقدوا أراضيهم وممتلكاتهم وأموالهم بفعل الضرائب غير المشروعة والاستغلال الفاحش والاستنزاف البشع لكل ما يملكه المواطن الأمازيغي.

وتعني مشاركة العبيد إلى جانب الدوارين أنهم غير راضين على أوضاعهم الاجتماعية البئيسة، وأن لهم الرغبة الأكيدة في الانعتاق والتحرر من الاستعباد الروماني عن طريق الدخول في صراع جدلي مع الأثرياء اللاتين وأغنياء الروم . و سيترجم هذا الصراع ثنائية هيجل المعروفة ألا وهي: جدلية السيد والعبد. وكلنا نعرف جيدا ثورة سبارتاكوس التي حررت العبيد الذين كانوا يعانون من الذل والإهانة ويكابدون مرارة البؤس والظلم والبطش إبان الغطرسة الرومانية.

وعلى أي حال، فحركة الدوارين لم تكن حركة متمردة أو عصابة إرهابية، بل كانت ثورة مشروعة وحركة اجتماعية غاضبة على الظلم الروماني والاستغلال المتوحش الذي مورس في حقهم.

ويمكن أن نذهب مع محمد المبكر" في أن الدوارين كانوا أصلا من العمال الزراعيين المتنقلين،3 ومن الطبيعي أن تنضم إلى ثورتهم كل الفئات المحرومة، لأن الصعلوك يعتبر ثمرة حتمية للبؤس الاجتماعي. وأيا ماكان الأمر، فلا مراء أن حركة الدوارين كانت رد فعل على الاستغلال والاستعباد والحيف، إذ ظلت بالأساس موجهة ضد الملاك والأسياد والمرابين، كما أنها لم تكن فوضوية بل اتسمت بنوع من التنظيم وتحركت وفق أهداف واعية. "4


الأسباب التي أفرزت هذه الثورة:


لمعرفة الأسباب التي ساهمت في ظهور ثورة الدوارين لابد أن نستحضر العامل الديني الذي يتمثل في المسيحية التي اعتنقها كثير من الفقراء والمعوزين الأمازيغ الذين وجدوا فيها ملاذا لهم من الاضطهاد الروماني وتعسفهم. فقد وجدوا المسيحية دينا للخلاص، وعقيدة تدعو إلى المساواة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والعدل والإنصاف، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونبذ الظلم والحيف والاستغلال، مع الدعوة إلى السلام و الأخوة والمحبة.

والواقع" أن حالة البربر كانت قد ساءت مع الرومان إلى درجة أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت وتعذرت عليهم أسباب المعيشة نظرا لما لحقهم من الاضطهاد على يد أولئك المستعمرين وسوء معاملة. وهذا الذي يعلل موقف البربر من الدين الجديد وتهافتهم عليه بحيث يمكن أن نقول: إذا كان المواطنون الأصليون قد أقبلوا على الديانة المسيحية بهذه الدرجة من التلهف ضاربين بوثنية الرومان عرض الحائط، فما ذلك إلا لأنهم كانوا يأملون أملا قويا في التخلص من براثن الاستعمار الروماني بواسطة هذه الديانة الجديدة."5

ومن الأسباب الأخرى التي أشعلت ثورة الدوارين نذكر الاستغلال الاقتصادي البشع الذي انتهجه رجال الإقطاع التابعين للحكومة الرومانية الذين استولوا على الأراضي الخصبة والبساتين، ونهبوا ممتلكات الأمازيغيين وثرواتهم وأراضيهم باسم الاحتلال والقهر اللاتيني. فبني لهم خط الليمس ذلك السد الأمني من أجل حماية مصالحهم و الحفاظ على خيرات بلاد تمازغا للمعمرين وسكان إيطاليا مع طرد المتمردين والثوار والأهالي الجائعين خارج هذا الخط الوقائي والدفاعي نحو الفيافي والصحاري.

وكانت أفريقيا الشرقية بمثابة خزان للحبوب بالنسبة للإمبراطورية الرومانية، ومصدرا لتمويل الخزينة المركزية بالضرائب غير المشروعة، ومزرعة شاسعة للرخاء الاقتصادي إلى أن أصبح الشعب الروماني عالة على أهالي شمال أفريقيا أصحاب الأرض وملاكها الحقيقيين.

هذا، وقد " طبقت روما سياسة اقتصادية جشعة طوال احتلالها، تلخصت في جعل ولاياتها تخدم اقتصادياتها وتلبي حاجياتها من الغذاء والتسلية لفقرائها.... والتجارة المربحة لتجارها والضرائب لدولتها... والإبقاء على النزر اليسير لسد متطلبات عيش الأمازيغ الخاضعين...".6

وقد اختارت الحكومة الرومانية لمعمريها ورجال الإقطاع و رجال الكنيسة أجود الأراضي وملكتهم كل السهول الخصبة والواحات المثمرة والبساتين الغناء والضيعات الفيحاء . ومن ثم، فقد تمركزوا في المدن والقرى على حد سواء. ، وقدمت لهم أراضي سكان أفريقيا الأصليين على طبق من ذهب، وسهلوا عليهم احتلال ممالكهم والسيطرة على ثرواتهم. فأصبحت نوميديا والمغرب وموريطانيا من أهم المناطق التي تساهم في إنعاش الاقتصاد الروماني وتغذية شعوب دويلات الإمبراطورية الرومانية.

" ومهما يكن من أمر فقد استوطن الرومان بلاد المغرب وصمموا على استعمارها وقدموا كل مساعدة للمعمرين من أبناء جلدتهم طالبين منهم أن ينتجوا كل ما من شأنه أن يسخر لتموين العاصمة. فلم يمض زمن طويل حتى أصبحت أفريقيا – على حد تعبير اللاتينيين أنفسهم- مطميرا لرومة) Romae Graniarum). تمدها بقدر وافر من المحصولات الزراعية على اختلافها كالحبوب وغيرها والفواكه والخمور والصوف واللوح والمرمر والزياتين.

ونذكر بهذا الصدد أن روما كانت تعتمد على أفريقيا بنوع خاص فيما يرجع إلى إمدادها بالحبوب والزياتين مما يدلك على أن البلاد كانت ولاتزال فلاحية قبل كل شيء."7

وعليه، فلقد اعتمد الرومان على أهالي تامازغا لتموين الشعب الإيطالي وتمويله وإشباعه، إلى أن كثر الترف والرخاء بين الشعب الروماني فاستحلى- بالتالي- اللهو واللعب والتبذير في تزويق البناء وزخرفة المعمار وتزيين القصور والإقبال على حلبات الصراع ومدرجات المسرح. بيد أن الأمازيغ كانوا يعيشون في فقر مدقع وبؤس مستمر وحرمان شديد؛ وهذا الوضع المتردي هو الذي سيدفع مجموعة من الفقراء للمطالبة بالعدالة والإنصاف والدفاع عن حقهم في العيش الكريم وحقهم كذلك في الحصول على لقمة الخبز.

وعليه، فالأسباب الدينية والعوامل الاقتصادية والأسباب الاجتماعية ناهيك عن الأوضاع المتردية التي كان يتخبط فيها الفقراء الأمازيغيون، كلها ساعدت على اندلاع ثورة الدوارين التي اتخذت طابعا ثوريا پروليتاريا ودينيا من أجل المطالبة بلقمة الخبز والعيش الكريم في ظل حكم عادل يتساوى فيه الرومان مع الأمازيغيين طبقيا واجتماعيا كما تدعو إلى ذلك المسيحية الرومانية في إنجليها المقدس.


تطور مقاومة الدوارين:


نشأت ثورة الدوارين في أحضان الكنسية المسيحية الأمازيغية؛ مما ساعدها على التحدي والصمود ومقاومة الاستغلال اللاتيني والترف الروماني الذي جعل الطبقات الاجتماعية الرومانية تغرق في بحبوحة العيش على حساب فقر الأمازيغيين وبؤسهم.

ومن جهة أخرى، فقد اعتنق الكثير من الفقراء الأمازيغ الدين المسيحي الجديد؛ لما رأوا فيه من عدالة اجتماعية وطبقية وكره للاستغلال والظلم، وتسفيه بكل سلوك يحاول اغتصاب حقوق الآخرين بدون سند شرعي أو قانوني. زد على ذلك أن" انتشار الديانة الجديدة وتهافت الطبقة المحرومة عليها من السكان كان سببا في إثارة رد فعل عنيف من طرف الحكومة، وكانت النتيجة أن قامت الفتنة في كل مكان وتعددت القلاقل وفسدت الحالة الاقتصادية بصفة عامة."8

ومن الثورات التي اندلعت أوراها في شمال أفريقيا ثورة الدوارين التي كان يقودها الفقراء والبؤساء والمعوزون والعمال المضطهدون والفلاحون المحرومون من أراضيهم، فكانوا يدورون ويحومون حول مخازن الحبوب ومطامير الغلات يريدون سرقتها؛ لكونهم جائعين ولا يملكون ما يسد رمق جوعهم. بينما كان المعمرون والأسياد الرومان ومن يدور في فلكهم ينعمون بخيرات الأمازيغيين ويتركونهم عرضة للجوع والفقر والمرض والموت العضال. هذا هو الذي دفعهم للانتفاض على الجيش الروماني اجتماعيا لاسترداد حقوقهم بالقوة والصمود والمقاومة مستفيدين من دعم دوناتوس الذي كان يناصر الفقراء والضعفاء والمحرومين. ويبارك خطواتهم ويثور على المعمرين الأغنياء ويدعوهم إلى مغادرة البلاد وترك أراضي تمازغا لأهلها وأصحابها الشرعيين." وخير دليل على البعد الاجتماعي للدوناتية هو اندلاع ثورة حقيقية وجدت في تعاليمها سلاحها الفكري، يتعلق الأمر بالحركة التي عرفت في التاريخ بحركة الدوارين circoncellions ، فخلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين، وفي خضم الصراع العنيف بين الكنيسة الكاثوليكية الإفريقية والكنيسة الدوناتية المنشقة عنها، برز الدوارون كأداة قهر في خدمة الكنيسة الدوناتية وأتباعها. ويعني اللقب الذي اشتهروا به من يحوم أو يدور على مخازن مستودعات المؤن."9

ومن أهم ماقام به الدوارون هو توحيد صفوفهم القتالية ، وجمع كل المتضررين الذين عانوا من الاستغلال الروماني من فلاحين وعمال وعبيد ومعمرين مفلسين وفقراء وصعاليك ؛ مما جعل هذه الثورة الفتية تشبه الثورات العمالية المعروفة في التاريخ الحديث أو المعاصر أو تشبه الثورات الپروليتارية التي تنتفض من أجل الدفاع عن حقوقها الاجتماعية والمادية المشروعة.

هذا، وقد حرر الدوارون فئة العبيد، وأحرقوا الكنائس الموالية للحكومة الرومانية، وأحرقوا الضيعات وكل ما يمت بصلة إلى النظام اللاتيني، فطردوا الملاك الكبار من أراضيهم، وأمروا رجال الكنيسة بمغادرة البلاد. واستعملوا في ثورتهم العنف وأسلوب التهديد والتغيير الراديكالي الثوري المعهود في كل الثورات الاجتماعية الغاضبة.

وعلى أي ، فقد كان الدوارون" يسطون على الكنائس الكاثوليكية ويحرقونها وينكلون بأساقفتها، ويهجمون على ضياع الأغنياء وينهبونها كما كانوا يرغمون المرابين على تبرئة ذمم مديونتهم، سلكوا في ذلك أسلوب العنف والتهديد ونظموا مجازر ضد جباة الضرائب في الأرياف. ومن بين تصرفاتهم الطريفة ذات البعد الاجتماعي أنهم كانوا إذا صادفوا سيدا راكبا على عربته وحوله عبيده يهرولون، يرغمونه على التهرول ويأمرون العبيد بالركوب بينما هو يهرول أمامهم.

هكذا انتظم الدوارون في ميليشيات مسلحة تجوب أرياف نوميديا وتنشر الرعب في صفوف الرومان وعملائهم، بشكل أصبحت معه حركتهم تمثل خطرا كبيرا على النظام الروماني وتطلب ردعها جهودا عسكرية جبارة."10

وإذا كانت ثورة الدوارين الاجتماعية ذات البعد الطبقي قد نشأت في كنف الدوناتية، فقد مرت العلاقة بين الدوارين والدوناتيين بثلاث مراحل أساسية تنوعت فيها هذه العلاقة، وانتقلت من علاقة التناقض والاختلاف والتصادم الفكري والمذهبي إلى علاقة المساندة والتعايش والتآزر والتعاون الثنائي لتنتهي العلاقة بين الحركتين بالحذر والترقب. وفي هذا الصدد يقول محمد بوكبوط:" والحقيقة أن العلاقات بين الدوارين والدوناتيين مرت بأطوار ثلاثة منذ ظهور هذه الأخيرة إلى اختفائها عقب مناظرة قرطاج سنة 411 م. ففي المرحلة الأولى لم يكن الدوارون تابعين للكنيسة الدوناتية، بل تناقضت أهدافهم إلى حد زكى الدوناتيون تدخل الجيش الروماني ضد الدوناتيين شمال الأوراس بنوميديا سنة 340م. أما المرحلة الثانية التي بدأت سنة 347م ، فتميزت بالتحالف بين الحركتين وخاصة بين الكهنة ورجال الدين الدوناتيين الصغار وجماعات الدوارين في البوادي النوميدية، حيث كانت ظروف عيش هؤلاء الكهنة لا تختلف كثيرا عن عامة الناس الفقراء، مما يفسر التلاحم بين حركة اجتماعية مناهضة لنظام الاستغلال، وأخرى دينية مضطهدة من طرف ذات النظام. وفي المرحلة الثالثة شن الدوارون حربا شعواء ضد الكنيسة الكاثوليكية، فساندتهم الدوناتية وإن كان رجال الدين الدوناتيين الكبار بدأوا يحذرون من الانسياق وراء الدوارين لتجذر حركتهم وأهدافهم الاجتماعية.".11


نتائج ثورة الدوارين:


وأمام انتشار الثورة الدوارين واكتساح الثورة الدوناتية شمال أفريقيا وخوف الملاكين الكبار والأساقفة على مصالحهم ومصالح الإمبراطورية الرومانية، قررت روما إرسال القوات العسكرية وخيرة القواد المحنكين في مجال الحروب وتدبير الشأن العسكري والمجال القتالي رفقة قوات كبيرة من المشاة والفرسان، فأرسلتهم إلى الولايات الإفريقية سنة 411 م، وتم تشتيت الحركة الدوناتية والقضاء على حركة الدوارين، وإخماد أنفاسها بالقوة والبطش والتنكيل والقهر .

ومن هنا،" كانت الحركة ثورة اجتماعية متطرفة وصراعا طبقيا عنيفا، استهدفت تغيير الأوضاع الاقتصادية لجماهير الفلاحين الفقراء والمعدمين الأمازيغ، مما يفسر معاداة الأساقفة والملاك الكبار لها، ودعوتهم السلطة الرومانية إلى إعادة النظام بإبادة أعداد كبيرة من الدوارين، بينما ظل المحرومون والمضطهدون وصغار القساوسة الدوناتيين مساندين لهم ومكرمين قتلاهم وخاصة الزعماء أمثال: ماركولوس."12

وإذا كانت القوات الرومانية قد استطاعت القضاء على الحركة الدوناتية الدينية وحركة الدوارين الاجتماعية، فإنها عجزت عن تأمين وجودها في تامازغا . وبالتالي، لم تستطع أن تنعم بهدوء الأمن و الاستقرار، فسرعان ما اندلعت ثورات شعبية في نوميديا وموريطانيا وطنجة . وظهرت في ظل هذه الظروف الصعبة التي كانت تمر منها الإمبراطورية الرومانية ثورة عارمة سيقودها المقاوم الأمازيغي فيرموس الذي سيقض مضاجع الحكومة الرومانية ، ولن يتركها تنعم بخيرات الممالك الأمازيغية، وسيدخل في صراع عسكري مرير مع القوات الرومانية، لينتهي مسلسل الاحتلال بدخول الوندال والبيزنطيين؛ ليضع هذا التدخل الأجنبي في ممالك تمازغا نهاية للوجود الروماني في شمال أفريقيا.


خاتمـــــة:


وخلاصة القول: تشكل حركة الدوارين في تاريخ المقاومة الأمازيغية إبان الاحتلال الروماني ثورة اجتماعية پروليتارية ذات ملامح ثورية جدلية راديكالية وذات سمات اشتراكية قائمة على التغيير والممارسة الفعلية.

فقد كانت هذه الحركة الثورية ترفض كل تفاوت اجتماعي طبقي، وتثور على الميز العنصري والاستغلال الاقتصادي الفاحش الذي يمارس في حق السكان الأصليين الذين يستوطنون بلاد تامازغا.

هذا، وقد انطلقت هذه الحركة الثورية الاجتماعية من الفلسفة الدوناتية التي كانت تحرض على الثورة العارمة والانتفاض في وجه المعمرين اللاتين وتطالبهم بمغادرة البلاد و تدعو إلى طرد الملاكين الكبار وأصحاب النفوذ ورجال الكنيسة الإقطاعيين والمرابين الذين استنزفوا خيرات الساكنة الأمازيغية واغتصبوا كل ممتلكاتهم وخيراتهم .

وعليه، فحركة الدوارين هي حركة الشعب الأمازيغي المحروم من حقوقه ضد الاحتلال الروماني والغطرسة اللاتينية المتوحشة التي استهدفت إذلال الأمازيغيين وتركيعهم واستعبادهم باسم القوة والبطش والتنكيل؛ ولكن الرومان لم يفلحوا في ذلك، فكانت نهايتهم الطبيعية هي الزوال والاندثار على يد المقاومين الأمازيغيين الشرفاء.
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moskod
عضو نشيط
عضو نشيط
moskod


المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 01/05/2008

[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Empty
مُساهمةموضوع: [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية: دوناتوس[/size]   [size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size] Icon_minitimeالخميس يونيو 19, 2008 1:44 pm



تـمـهـيـد:

يعد دوناتوس Donatus من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية الذين وقفوا في وجه الاحتلال الروماني بكل عنف و شراسة قصد الحفاظ على وحدة تامازغا، و الدفاع عن أبنائها المحرومين من ممتلكاتهم وثرواتهم التي استحوذ عليها الإقطاعيون ورجال الدين الكاثوليك المرافقون للقوات الرومانية الغازية إلى شمال إفريقيا . وتتسم مقاومته النضالية ضد الغزو اللاتيني بعدة مميزات تتمثل في: النزعة الدينية و الخاصية الشعبية والسمة الاشتراكية و الروح الجماهيرية والثورة الراديكالية.
وۥيعرف القس دوناتوس في التاريخ الأمازيغي بأنه من أبرز المفكرين الدينيين الأمازيغ المعروفين بنضالهم الشديد ضد قوى الظلم والطغيان. وقد دافع دوناتوس عن الإنسان الأمازيغي المظلوم ضمن رؤية دينية راديكالية تستهدف القضاء على القوات الرومانية وطرد المستغلين الرومان كأرباب الأملاك ورجال الدين الكاثوليك من كل شبر في أرض نوميديا. لذلك نظم القس دوناتوس حركة ثورية دينية واجتماعية وسياسية قامت بدور تاريخي هام ما بين 4 قبل الميلاد و429 ميلادية تسمى هذه الحركة بالثورة الدوناتية نسبة إلى دوناتوس.

1- من هو دوناتوس؟

ولد دوناتوس في القرن الثالث الميلادي في شمال إفريقيا، ويعتبر من أهم الزعماء الأمازيغ الذين واجهوا الرومان بكل ما أوتي من علم ومن قوة. وهو أيضا من أهم المدافعين عن العقيدة المسيحية في الوسط الأمازيغي، وهو قس وراهب في قرية أمازيغية، وصار بعد ذلك أسقفا وزعيما دينيا كبيرا في إفريقيا الشمالية، وله أتباع كثيرون يدافعون عن المذهب الذي أسسه نظرية وممارسة. و هو كذلك مؤلف كتاب ديني تحت عنوان"الروح القدس"، بله عن كونه زعيم المذهب الديني الدوناتي الذي تشكل في خضم الصراع الكنسي الدائر يومئذ. وقد انضوى تحت هذا المذهب كل الرافضين للسيطرة الرومانية بما فيهم مذهب "الدوارين " الذي رفع راية العصيان والثورة والتمرد عن الحكومة الرومانية، وقد توفي دوناتوس في335م.

2- تطور ثورة دوناتوس:

لم تظهر الثورة الدوناتية في شمال إفريقيا وبالضبط في نوميديا إلا عندما تبنى الإمبراطور الروماني تيودوز العقيدة المسيحية دينا رسميا للدولة الرومانية منذ391م، فاستغل دوناتوس الفرصة فأسس مذهبا مسيحيا أمازيغيا مستقلا ألا وهو "المذهب الدوناتي". فأقبل الأمازيغيون على هذا المذهب الجديد للتخلص من نير الاستعمار الروماني، ومن الظلم والضيم والعبودية والذل والعار. وهذا ماجعل الأمازيغيين يعطون لكنيستهم صبغة قومية لتدافع عن مطالب السكان المحليين وتحميهم من تجبر القوات الرومانية وطغيان المستغلين من الأرستقراطيين ورجال الدين الكاثوليك الرومانيين.
ومن ثم، شكل القس دوناتوس – كما قلنا سابقا- حركة ثورية دينية واجتماعية وسياسية قامت بدور تاريخي هام ما بين 4 قبل الميلاد و429 ميلادية. وقد انشق دوناتوس عن المذهب المسيحي الذي أراد الإمبراطور الروماني تيودوز فرضه على الشعوب الخاضعة لحكمه منذ تبنيه له سنة 391م " وقد تسبب هذا الانشقاق في مجابهات دموية كثيرة استمرت تقريبا حتى مجيء الوندال لشمال إفريقيا سنة439م". وقاد دوناتوس في إطار ثورته الدينية مجموعة من رجال الكنيسة الأمازيغيين الرافضين للسلطة الرومانية والتي أدت إلى ما يسمى بالثورة الدوناتية نسبة إلى دوناتوس Donatus . وتمتاز هذه الحركة الدوناتية الدينية بأنها ذات صبغة أمازيغية متمردة عن الحكم الروماني وتعاليم الكنيسة الرسمية.
وعليه، فإن دوناتوس كان يدعو إلى مذهب ديني جديد يقوم على إقرار المساواة بين الناس، ويعمل على مساعدة الفقراء ولا يعترف بأية سلطة غير سلطة الإله الخالق، وكان يأمر الأمازيغيين بطرد كبار الملاك من أراضيهم وأصحاب النفوذ من المسيحيين الكاثوليك من بلادهم.
وقد انتشرت الدوناتية في الكثير من الولايات والممالك الأمازيغية وخاصة في ولاية أفريكا وولاية نوميديا ، وتشكلت ميدانيا مجموعة من التنظيمات العسكرية التي كانت تهاجم مزارع الأرستقراطيين الرومان لتحرير عبيدها وأقنانها المظلومين.
بيد أن هناك من الباحثين من يقسم الحركة الدوناتية إلى مجموعتين: مجموعة دوناتية تستغل الدين لتحقيق مصالحها ومآربها الشخصية، وهي عصابة من العبيد الأمازيغيين المتوحشين الذين يثورون و يغتصبون وينهبون قصد الوصول إلى أطماعهم المادية، وقسم آخر من الدوناتيين الذين حافظوا على مبادئهم الأخلاقية ومعتقداتهم الدينية ينتهزون الفرصة السانحة لمجابهة الرومان ضمن رؤية دينية وسياسية معقولة ومقبولة. وفي هذا يقول أحمد توفيق المدني الباحث الجزائري: " عندما مات أسقف المغرب المدعى مانسوريوس وقع الخلاف في تسمية خليفته وترشح لذلك الراهب ساسليان، لكن أنصار الفتنة أبوا الموافقة على هذه التسمية وكان زعيم المعارضين راهب قرية أمازيغية يدعى دونات (Donate).
وتألف عندئذ جند من أشد الدوناتيين تعصبا وأخذوا يجوبون أطراف البلاد بدعوى ضم جميع المسيحيين إليهم، وكان أغلب هؤلاء الدوناتيين من العبيد الآبقين وممن لا يملكون في هذه الدنيا غير أجسامهم، فاتخذوا لنفسهم مذهبا اجتماعيا هو خليط من الشيوعية والفوضوية. ويقولون إنهم يريدون أن يقروا مبدأ المساواة التامة في الرزق بين الناس، وأنهم لا يعترفون بأية سلطة، وطفقوا كذلك يتجولون وانقلبوا عصابة نهب وسلب ترتكب الفظائع وتقوم بالذبائح، ولم يبق لهم من الصبغة الدينية أي شيء، فتعقبتهم الجنود الرومانية وقطعت في آخر القرن الرابع دابرهم، لكن الدوناتيين الحقيقيين وأغلبهم من أبناء البربر ظلوا محافظين على قوتهم وصلابتهم يترقبون سنوح فرصة للانقضاض على أعدائهم، وكانت حركتهم سياسية ترمي إلى التحرير، متقمصة في ثوب حركة دينية.
وأعظم أسباب هذا الهيجان هو النظام الاستعماري الروماني الذي ملك الأرض بيد ثلة منتفعة وحرم منها جماعة الناس.".
ويتبين لنا من هذا أن الدوناتية تنقسم في طبيعتها إلى حركتين: حركة ثورية إرهابية شيوعية فوضوية، وحركة دينية معتدلة مناضلة متعقلة في خططها الإستراتيجية في التعامل مع القوات الرومانية. ولكن الدوناتية في جوهرها حركة اجتماعية تدافع عن الفقراء والمظلومين وتقف في وجه الإقطاعيين الارستقراطيين الذين استحوذوا على أجود الأراضي فحولوا أصحابها الأمازيغيين إلى عبيد أرقاء، كما استغل رجال الدين الكاثوليك سلطتهم الدينية في شمال إفريقيا فبدأوا في نهب خيرات البرابرة والسيطرة على ممتلكات الأمازيغيين وثرواتهم، وحولوهم إلى عبيد أذلاء بدون أرض ولا مأوى، وتركوهم بطونا جائعة تبحث عن الخبز بدون جدوى. وهذا ما أفرز حركة "الدوارين" ، وفجر الثورة الدوناتية لتنادي بالمساواة والتغيير الجذري عن طريق طرد المستغلين من أراضي تامازغا. لكن المستغلين الرومان سارعوا إلى الدفاع عن المذهب الكاثوليكي الذي كان يمثله القديس أغسطنيوس ضد المذهب الدوناتي الذي كان مذهبا عقائديا اجتماعيا وثوريا، يؤمن بالفعل والتغيير وفضح التسلطن الروماني.
هذا، وقد سبب هذا الصراع الديني في مواجهات دموية:"عكست بوضوح الصراع الاجتماعي في ولايات روما الشمال إفريقية، ويتجلى ذلك في كون الإمبراطور والدولة الرومانية ومن ورائهما الملاك الكبار ساندوا الكنيسة الكاثوليكية الرسمية ضد دوناتوس وأتباعه الأمازيغ، وقاموا باضطهادهم لما شكلته المبادئ التي اعتنقوها من خطر على امتيازاتهم، ذلك أن دوناتوس الذي عانق قضايا الفقراء والمضطهدين نادى بإبعاد وطرد الأشرار- وقصد بهم كبار الملاك والمرابين وذوي النفوذ- من الجماعة المسيحية، فكانت الدوناتية بذلك عقيدة الثورة التي فجرها الأمازيغ واستمر لهيبها إلى زوال الحكم الروماني، ولم يزد التنكيل والاضطهاد الرومانيين الدوناتوسية إلا تجذرا وأتباعها إلا تشبثا بتعاليمها، لكونها تعبر عن آلامهم وآمالهم في العدل والمساواة."
ومع اكتساح الثورة الدوناتية لكثير من ولايات شمال إفريقيا وسرعة انتشارها بين الفقراء والضعفاء الأمازيغيين، قررت الحكومة الرومانية الضرب على أيدي الدوناتيين والقضاء عليهم نهائيا. لذلك أرسلت روما أحسن قواد جيشها رفقة قوات عسكرية عاتية سنة 411 م للتنكيل بالدوناتيين، فشتتتهم بقوة وعنف وقضت على أتباع هذه الحركة الدينية ، وسلمت أملاكها وكنائسها للمسيحيين الكاثوليك، في النفس الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية الرومانية على وشك التداعي و السقوط والاضمحلال.

3- نتائج الثورة الدوناتية:

من النتائج التي حققتها الثورة الدوناتية أن المقاومة الأمازيغية في شمال إفريقيا ستتجاوز المقاومة العسكرية إلى نوع آخر من المقاومة تتمثل في النضال الديني والاجتماعي. وسيحارب الأمازيغيون الإمبراطورية الرومانية المسيحية بنفس السلاح العقدي للتخلص من نير الاستعمار ومناهضة الاضطهاد والاستغلال. وستعمل الثورة الدوناتية على إشعال الكثير من الثورات والفتن ، و ستساهم في ظهور الكثير من الجماعات المتمردة عن السلطة الرومانية وخاصة ما يعرف بالثوار" الدوارين" الذين كانوا يدورون حول مخازن الحبوب يريدون سرقتها بسبب الجوع وكثرة الفاقة.
هذا، وقد ساهمت هذه الحركة الدوناتية في اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وتأجيج الصراع الديني وتناحر السلطتين: الدينية والسياسية على المستوى المركزي في العاصمة الرومانية، وانبثاق الصراع العقائدي
بين الدوناتية والعقيدة الكاثوليكية. وفي هذا الصدد يقول عبد الله العروي:"تهافت المغاربة على الحركة الدوناتية ( نسبة إلى الأسقف دونات) المنشقة وأعطوا لكنيستهم صبغة قومية واضحة دون أي اعتبار لمفهوم الكثلكة، أي الجماعة، محور كل مسيحية تكيفت مع واقع التفاوت الاجتماعي.
تسبب الانشقاق الدوناتي مدة قرن كامل في مجابهات دموية كثيرة. قاد المعركة من الجانب الكاثوليكي أوغسطين، متكلا كليا على السلطة المدنية ومستفيدا من الرعب الذي استولى على كبار الملاكين بسبب ما احتوت عليه الحركة الدوناتية من أهداف ثورية اجتماعية. انتصر أوغسطين سنة 412 لكنه لم يتلذذ بالانتصار إلا مدة قصيرة. استولى على إفريقيا الشمالية سنة 439 الوندال الموالون لبدعة أريوس فاستغلوا ضد الكاثوليكيين تلك الوسائل العنيفة التي استعملها هؤلاء ضد الدوناتيين. انتقمت الكنيسة الإفريقية لنفسها في النهاية، باستدعاء البيزنطيين وإعانتهم على طرد الوندال، لكن بعودة المنطقة إلى حظيرة الإمبراطورية فقدت الكنيسة الاستقلال الذي ما فتئت تحارب من أجله منذ أواسط القرن الثالث.".
وعلى الرغم من هجوم الرومان على الدوناتيين للقضاء عليهم ، وما ترتب عن ذلك من تشتيت لوحدتهم والتنكيل بثوارهم، إلا أن الدوناتية ظلت نزعة دينية وثورة عارمة يؤمن بها كل الأمازيغيين. وبالتالي، لم تستطع القوات الرومانية أن تمحي الدوناتية من قلوب الأمازيغيين الذين آمنوا بها ذهنا ووجدانا وعاطفة وممارسة. وفي هذا الصدد يقول محمد بوكبوط الباحث الأمازيغي المغربي:"شن الرومان حربا لاهوادة فيها ضد الدوناتيين باعتبارهم محرضي الثوار، لكن النتيجة كانت عكس ما سعى إليه الرومان، إذ تجذرت الدوناتية في أوساط الأمازيغ تعبيرا منهم على الإصرار على التمسك بهويتهم والحفاظ على كينونتهم المتميزة عن المحتلين الرومان، ومن ثم، كانت الدوناتية رد فعل مذهبي واجتماعي من جانب الأمازيغ ضد القوالب الفكرية والدينية التي كانت تسعى مؤسسات الاحتلال دولة وكنيسة صهر الأمازيغ فيها لاحتوائهم وطمس هويتهم.".
وهكذا، يبدو لنا أن الحركة الدوناتية قد ساهمت بشكل كبير في تدهور الإمبراطورية الرومانية وسببت في اضمحلالها بكل سرعة ليحل محلها الوندال الغزاة والبيزنطيون العداة.

الخـــاتمة:

ونستنتج - مما سبق ذكره - أن دوناتوس الزعيم الديني الأمازيغي قد قاد الحركة الدوناتية في بلاد تامازغا باعتبارها حركة ثورية اجتماعية مناهضة للاحتلال الروماني و سياسة الرومنة ونزعة التمسيح.
وعلى أي حال، فقد استهدف دوناتوس مقاومة القوات الرومانية ورجال الدين الكاثوليك الذين كانوا يباركون الاحتلال ويعترفون بشرعية الاستغلال واسترقاق الساكنة المحلية ويناصرون الأرستقراطيين الذين كانوا يحتكرون ثروات الشعب الأمازيغي، وفي نفس الوقت يعرضونه للجوع والفقر والاضطهاد.
وعليه، فالحركة الدوناتية حركة ثورية اجتماعية اشتراكية، وثورة راديكالية جماهيرية تؤمن بفعل التغيير الميداني وترفض الاستلاب الديني المسيحي وتحارب كل أشكال الرومنة والاستغلال الفاحش.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
[size=24]من أبطال المقاومة الأمازيغية[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أمير مملكة الاحزان :: منتديات العامة :: دردشة وفرفشة-
انتقل الى: